الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

دِفاعاً عن ليبيا بما تُمَثِّل
عزيز العصا
كي لا تخرج الأمور عن سياقها التاريخي، أستهل كلامي بدمعة نذرفها على القائد الفذ، العربي المسلم، ابن ليبيا البار عمر المختار، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
فقد حفر في ذاكرتنا الكثير مما سيبقى نبراساً للأجيال التي تنشد الحرية والتحرر من نير المستعمرين والطغاة؛ فقد ورثنا عنه الكثير من القيم والمثل العليا ولقننا، دروساً في الصبر والشجاعة والثبات عند المبادئ، والنظر بعين ثاقبة إلى الغد المشرق.. كيف لا، وهو الذي رفع شعاره الاستراتيجي في مقاتلة الغزاة القائل: لن نستسلم.. ننتصر أو نموت.
أما ما جرى في ليبيا منذ شباط/ 2011م وحتى اللحظة فيجعل الحليم حيراناً، ويكاد يعصف ببوصلة التفكير السليم ليجعلها تدور في كل الاتجاهات.. ولكي لا تستمر الحيرة، فلا بد من أن يتحرر المرء من حالة الذهول التي تنتابه.. ولكي نضع الأمور في نصابها فلننظر إلى عناصر الصراع على أرض ليبيا، وهي "مثلث" لكل ضلع فيه، ليلى يغني عليها.
فالضلع الأول يتمثل بـ "نظام القذافي" الذي قاد ليبيا عبر (42) عاماً بالتمام والكمال بدءاً من الفاتح من أيلول عام 1969، حتى انتهى به الأمر لأن يقضي سحابة الفاتح من أيلول من العام 2011 وهو مشرد ينشد ما يستر خيبته من شعبه الذي هتف له طوال تلك الأعوام (الرمادية) فـ (عظَّمه!!) بوضعه قبل ليبيا وبعد الله مباشرة.. ولمن لا تسعفه الذاكرة، نُذَكِّر بشعار الليبيين: "الله.. معمر.. ليبيا وبس"، وشاءت قدرة الله، جل شأنه، أن معمر لم يكن هو الأول!!
هذا هو القذافي الذي (عبث) في أموال ليبيا وخيراتها وثرواتها.. وتم ذلك كله ضمن سعيه (الفردي) لتحقيق عَظَمةٍ ما، فتأرجح بين الشعارات القومية، والبحر متوسطية، والأفريقية.. حيث تقمص وريث جمال عبد الناصر فسعى إلى وحدة مع مصر تارة، وتونس تارة، والجزائر تارة أخرى.. فلما (أَفِلَت) تلك الفرص اتجه نحو مالطا ليقيم معها وحدة بحر متوسطية!! ولما (أَفِلَت) اتجه لدعم إيران في حربها على العراق خلال الفترة 1980-1988.. ولما (أَفِلَت) إيران وغربت شمسها، اتجه نحو أفريقيا آملاً في لقب "ملك ملوك أفريقيا"، الذي دفع من أجله الأموال الطائلة..
أما فلسطين بالنسبة للقذافي فلم تكن تمثل شيئاً أبعد من أن يقام عليها دولة "اسراطين"!!.. وانتهى به الأمر إلى أن يتفق مع الغرب الاستعماري بتسليم الإمكانات العلمية والتسليحية الليبية، التي ابتيعت بأموال ليبية، مقابل الحفاظ على الكرسي، وأردف بدفع المليارات الطائلة للغرب تحت عناوين شتى.. وأخيراً استقر به الأمر كمهرج في المؤتمرات والمهرجانات والمناسبات المختلفة.
وعندما هرب الرئيس التونسي بدا الارتباك على محيا القذافي الذي تربع على الشاشة مطولاً وهو يعاتب الشعب التونسي على استجابته لأنفاس "البوعزيزي"، التي لفظها وهو ينشد الحرية من الظلم والطغيان الذي حل بتونس وشعبها..
وأما الضلع الثاني من المثلث، فهو أولئك الساعين إلى السيطرة على الخاصية "الجيوسياسية" الليبية؛ فمن يسيطر على ليبيا يتمكن من مراقبة (أنفاس) ست دول في آنٍ معا، هي: مصر، تونس، السودان، الجزائر، تشاد والنيجر، إلى جانب سيطرته المطلقة على الجغرافيا الليبية الشاسعة الممتدة بين البحر وعمق الصحراء، وما يعنيه ذلك من تنوع للثروات الطبيعية والخيرات التي حباها الله بها. أي أن من يجلس في ليبيا يكون شرطي المنطقة المتحكم بكل تفاصيليها الأمنية والاقتصادية والسياسية.
بهذا، يتأكد لنا أن ادعاء حلف الناتو بتحرير الشعب الليبي وتخليصه من طغيان القذافي، أكذوبة كبرى، لا يتحدث بها إلا ساذج ولا يصدق بها إلا غبي.. ولنتذكر معاً أن القذافي، وبعد نجاح الحلف الاستعماري في السيطرة على العراق في العام 2003، قد أعلن (توبته) من كل ما تقدم من شعارات (جوفاء) معادية للغرب، فانفرجت علاقات نظامه مع الغرب وعلى رأسها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وأصبح القذافي مرضي عنه وعن أفكاره ونظامه ودوره في المنطقة.
وأما الضلع الثالث، فهو شعب ليبيا الذي سيق إلى هذه المعركة ليقدم التضحيات الجسام.. إنهم أبناء ليبيا الشرفاء الساعون للتحرر من الظلم والطغيان، القابضون على جمر الاستقلال، الرافضون للتبعية بكل أشكالها، المؤمنون بأن نفط ليبيا لليبيين، وأن خيرات ليبيا وثرواتها لست إرثاً من الآباء بل هي أمانة للأجيال القادمة..
وأما الضلع المخفي، الذي يشكل السم الزؤام (المدسوس) في (دَسَمِ) ليبيا، فهم المدعون، باطلاً، الانتماء إلى ليبيا وأهلها، أولئك الذين عملوا مع الناتو وساعدوه وكشفوا له صدر ليبيا وظهرها، بل كشفوا أحشاءها وكل تفاصيل تفاصيلها، ليس عن سذاجة أو بلاهة، بل وفق أجندة معدة مسبقاً وبإحكام، عندما استبدلوا إرادتهم وعقولهم ومشاعرهم ووطنهم ووطنيتهم بالأموال والمناصب الموعودة. ولعل الأمثلة، المعلنة وغير المعلنة، يصعب حصرها، إلا أننا نود الإشارة إلى المثالين التاليين:
ـ أما الأول، فهو تلك الشبكة التجسسية التي ضمت (ليبيين!!) من وظائف مختلفة، واستخدمت مهندسة ليبية عمرها (24) أطلقت على نفسها إسم "نوميديا"، التي استعان بها حلف الناتو حيث قضت شهورا في التجسس على منشآت عسكرية تابعة للقوات الليبية ونقل التفاصيل الى الحلف، الذي كثيراً ما كانت تفشل أقماره الصناعية في تحديدها، فتنجح نوميديا في تحديدها و(المساعدة) على تدميرها
ـ وأما الثاني، فهو المدعو "مهدي الحاراتي" الليبي المقيم في إيرلندا، الذي شغل منصب نائب رئيس المجلس العسكري لطرابلس، فقد قال (بعظمة لسانه): أن عميلاً للمخابرات الأمريكية ''سي آي إيه'' زوده بـ (200 ألف يورو) كأوراق نقدية من فئة 500 يورو، وأنه سبق وأن تعامل مع هذا العميل الذي أمده بأموال في إطار دعم مالي للثوار للمساعدة علي التخلص من نظام القذافي. ومن الطريف أن هذا (القائد الوطني!!) قد قدم استقالته فور إخراج القذافي من طرابلس ليقوم بجولة في مجموعة من الدول التي شاركت في الهجوم على ليبيا (أمد للإعلام، 9/11/2011م).
خلاصة القول: يبدو أن قدر أحفاد عمر المختار، وورثة أمجاده وبطولاته، الاستمرار في حربهم دفاعاً عن ليبيا في مواجهة "نوميديا" وزمرتها الليبيون الأصل والفصل الاستعماريو الهوى، الذين قدموا إمكانات ليبيا ومقدراتها لحلف الناتو لكي يحرقها ويدمرها بأقل جهد وفي أقصر وقت، عندما يتولوا المناصب البالغة الحساسية، ويصبحون صانعوا قرارات استراتيجية تحدد مصير ليبيا والليبيين.. وأنه عليهم، بلا شك، مواجهة "مهدي الحاراتي" ومن على شاكلته الذيين يطوفون على دول الناتو وغيرها باحثين عن دور يقومون به لتقديم ليبيا لقمة سائغة لمن يسيل لعابه على ثرواتها وميزاتها كدولة أفريقية-متوسطية بامتياز..
كما أن أحرار ليبيا وشرفاءها سيقدمون التضحيات الجسام لتحريرها من الاتفاقيات، المعلنة وغير المعلنة، التي تم عقدها مع مكونات (الناتو) كثمن لما تم من تدمير ممنهج لهذا البلد.. وسيدفعون ثمناً آخر، أكبر حجماً، في حمايتها من الاقتتال والاحتراب بين رفاق السلاح على تقاسم التركة الذين سيسعون لتنفيذ أجنداتهم الخاصة التي تتعارض مع أجندة ليبيا الوطن الحر الأبي..
أخيراً، لنبتهل إلى الله، جل شأنه، أن يعين كل من يتبنى الدفاع عن ليبيا بما تمثل للغيارى من أبنائها، وما تمثل لأحرار الأمة القابضين على جمر وحدتها وحرية أبنائها وحقهم في العيش الكريم على أرض الآباء والأجداد.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية
وكالة معا الأردنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق