الليبيون يواجهون "حقل الغام قانونية" في سعيهم لاسترداد عقارات صادرها القذافي
القدس
لندن – – نشرت صحيفة "ذي غاريان" البريطانية اليوم مقالا لمراسلها إيان بلاك بعث به من طرابلس، يتحدث فيه عن مساع يبذلها ليبيون لاسترداد مساكن واراض لهم صادرها القذافي، وقيامهم بتوجيه رسائل في شكل كتابات على جدران المباني التي تقدر قيمتها بمليارات الدنانير.
ويقول ويصف ليبيون تحدث اليهم بلاك هذه المشكلة الضخمة بانها "حقل الغام قانونية". وفي ما يأتي نص المقال:
"يقع شارع الظهرة في وسط مدينة طرابلس العاصمة لكنه لا يلفت نظر الزائرين. ففي احد جوانبه تقوم شركة نفط "مليتة" المملوكة للدولة – وهو مبنى كونكريتي انشئ خلال فترة حكم القذافي تميزه خطوط باللونين الاخضر والابيض. وفي الناحية المقابلة مبنى من الجص الباهت اللون من ثلاث طبقات تحتل زاويته دكان صغيرة لوسام العكاري.
وتتردد حكايات مفادها ان موسوليني قام بجولة في سيارته في شارع الظهرة خلال الفترة الاستعمارية. غير ان ما يلفت الانتباه هذه الايام هو تلك العبارات المكتوبة بالعربية باللون الاحمر على الحائط المجاور لتلك الدكان تقول "هذا المبنى ملك خالص وارث لمحمد الجعفري".
يمكن مشاهدة مطالب الملكية هذه في مختلف انحاء طرابلس وفي اماكن اخرى من البلاد، الى جانب شعارات الانتصار بعد سقوط الرجل الذي يصفونه بكل بساطة بـ"الطاغية". وتعتبر قضية استعادة المالكين الاصليين لممتلكاتهم المفقودة التي تقدر بالمليارات او لكيفية تعويضهم عنها احدى المشاكل الكبرى والعصية امام حكام ليبيا الجدد.
تعود قضية اعادة الممتلكات الى اصحابها الى اواخر السبعينات من القرن الماضي، عندما صودرت مئات الالاف من المساكن والمكاتب والمشاغل والممتلكات الاخرى بموجب القانون رقم 4، وسلمت او بيعت او اجرت باسعار زهيدة الى سكان جدد حسب نسيج حقائق معمر القذافي الثورية في كتابه الاخضر.
لم يحتل العكاري المكان بوضع اليد، فهو يدفع الايجار. ومرد ذلك هو ان الجعفري تمكن من استعادة ملكية دكانين في مبنى شارع الظهرة، وان بقيت شقق المبنى التي تحمل في طياتها قضايا قانونية اكثر صعوبة بعيدة عن متناول يده.
وقال العكاري بينما كان يتعامل مع احد المشترين: "انا ادفع لابن المالك 350 دينارا (180 جنيها استرلينيا) في الشهر. فقد حصل على ملكية هذه الدكان والثانية الى جانبه. غير انني اخشى الان ان يتمكن في نهاية المطاف من استعادة ملكية المبنى باكمله، وان يرفع الايجار او يبيع المبنى لغايات تطوير الموقع لاحد الفنادق او اي شيء اخر، وسأضطر حينئذ للمغادرة".
يطلق سامي زبطية، وهو استشاري كانت عائلته تمتلك مبنى سكنيا في حي دمشق القريب، على عملية استعادة الملكية بانها قضية "صندوق باندورا" الذي تقول الاساطير اليونانية ان جميع المشاكل تخرج منه، بسبب تعقيداته وتأثيراته المحتملة بالنسبة الى المغلوب على أمره. وقال "استوعب القذافي جيدا قيمة ما استملكه وباع الكثير منه – ومن بعد قام الذين اشتروا تلك المملتكات ببيعها ايضا. كيف يمكن اذن حل هذه التشابكات؟".
خرجت القضية الى حيز الوجود وباساليب عنيفة احيانا، منذ انهيار النظام في آب (اغسطس). وفي عدد من الحالات في طرابلس وتاجوراء القريبة وسوق الجمعة قام المقاتلون المسلحون بمصادرة الممتلكات واعادتها الى ملاكها الاصليين.
وقال زبطية: "الملكية تمثل تسعة اعشار القانون، وقد لجأ الناس الى الثورة للمطالبة باستعادة ممتلكاتهم. بنايتنا دمرت وحل محلها مكتب لجنة ثورية، غير ان الارض تساوي الملايين. وأنا انتظر الان تأكيد حكم القانون".
وكان رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل ان المحاكم مفتوحة للنظر في الدعاوى القضائية. الا ان شيئا لم ينفذ حتى الان، ويعود ذلك جزئيا الى ان سلك القضاء تشوبه ولاءاته القديمة.
واصبح التعويض عن الممتلكات المصادرة او التي فقد اصحابها ايجاراتها ممكنا خلال الفترة الاصلاحية لابن القذافي، سيف الاسلام. الا ان القلائل هم الذين قبلوا المبالغ التي دفعت لهم التي كان معدلها يصل الى ربع قيمتها السوقية.
وقال عبد الحكيم القداح، رجل الاعمال الذي كان والده الثري يملك عدة مبان صودرت وبعد ذلك اودع السجن: "من الناحية النظرية بالامكان ان يحصل المرء على تعويض، اما على المستوى العملي فانهم لم يعرضوا سوى مبالغ ضئيلة. وكان البعض يتملكه اليأس ولم يجد سبيلا سوى القبول بالمال".
كان والد محمد العامري احد الذي قبلوا بالتسوية، وقال بأسى: "كان المبلغ زهيدا. وكان يجب علينا ان نتريث بعض الوقت".
ولم يكن اي حكم قضائي مقبول بمثابة نهاية للقضية دائماً. اذ يقول احد المطالبين الذي فضل عدم الكشف عن هويته "حتى وان حصل المرء على حكم بالتعويض وكان قد وافق عليه، فان الامر يظل مرهونا بدفع رشوة الى احدهم لضمان دفع المبلغ بالفعل في حسابك المصرفي".
وكان القذافي قد اجرى تسوية للمطالب التي تقدم بها الفاتيكان وايطاليا. الا انه لم يتم التوصل الى اتفاق مع الطائفة اليهودية التي كانت ثرية في يوم من الايام في ليبيا والتي واجهت ضغوطا بسبب اسرائيل وفر افرادها في ستينات القرن العشرين وسبعيناته بعد الاعتداءت واقرار تشريعات معادية للسامية. وتقدر ممتلكاتهم وحدهم بمليارات الدنانير.
وبالنسبة الى العديد من المواطنين، فان النطاق الحقيقي للمشكلة يظل مجهولا، ليس لاسباب اقلها ان سجل الاراضي الوطنية دمر في العام 1982 في حريق – يقول كثيرون انه متعمد – حتى يصعب متابعة المطالب.
ولكن المشكلة تبدو ضخمة. ففي احدى الطرق في وسط طرابلس كان مقر شركة نفط زويتينا التي تملكها الدولة وفندق ودان المقابل له مملككين ملكية خاصة قبل ثورة 1969.وفي حي آخر هو الفلاح تقوم شركة كورية ببناء مجمع سكني على ما كان ارضاً مملكوكة ملكية خاصة. وفي مصراتة، وهي مسرح بعض اشد اعنف ما شهدته هذه السنة من القتال، تقوم دار سينما ومستشفى على ما يعرف الجميع انه ارض مصادرة.
ويمكن ان يكون الامر هزلياً: ففي قرقارش، وهي من احياء طرابلس الراقية، يقوم رجل بصورة منتظمة بزيارة فيللا عائلته المصادرة ويكتب بالدهان المرشوش على الجدار "هذا الملك سرق من مالكه الشرعي" - ولا يكاد يفعل ذلك حتى يدهن ساكن الفيللا فوق ما كتب. وقد حصلت العائلة على حكم محكمة لمصلحتها قبل مدة من الزمن ولكن الحكم لم ينفذ قط لأن المتطفل لديه "اتصالات" رسمية.
اما الاجلاء - اذا بلغ الامر هذا الحد - فسيؤثر في معظمه على الارامل، والمتقاعدين وافقر الناس - وهو ما لا يمكن ان يكون وصفةً للانسجام الاجتماعي في ليبيا الجديدة.
ويقول حسين العقيلي، وهو محاضر جامعي ينوي المطالبة باسترداد ثلاثة املاك: "انها قضية حساسة فعلاً. انت اشتريت منزلاً بحسن نية من شخص ما يعتقد انه ملكه ولم يتصور قط ان النظام سيسقط بعد 10 سنوات او 20 سنة. هذا حقل الغام قانونية. اذا لم يكن لديك نظام قضائي مستقل، فلن يكون هناك حل".
واضاف: "ماذا تفعل بأناس اشتروا عقاراً بصورة قانونية وسجلوه باسمهم؟ من الذي سيعوضهم؟ هل ترميهم في الشارع وحسب؟ اياً تكن طريقة تعاملك مع هذه المسألة فانها ستثير توترات وعداوات. هناك تضارب واضح بين مصلحة المرء الشخصية او العائلية ومصلحة الشعب الليبي ككل. المسألة كابوس ثقيل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق