الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

هلك الطاغية … فما سر تأخر المصالحة؟
سالم بن عمار
حمدنا الله أن أرانا يوما أسود ما كنا نتخيله في الطاغية وبعض أبنائه المجرمين، وآخرهم المسمى سيف، فما سر تأخر المصالحة الوطنية الكبرى وقد أزيلت العقبة الكأداء من طريقها؟

طويت صفحة عراب الشر، وولت أيام ملك الجريمة الهالك القذافي إلى غير رجعة، فلماذا لا نسارع إلى تضميد الجراح و تطييب الخواطر، وزرع بذور السلام والوئام بين أبناء شعبنا كله؟ هل تكون هذه المصالحة على رأس قائمة أعمال حكومة السيد عبد الرحيم الكيب؟
ولكن لا يدخل في دائرة المصالحة كل من تورط في سفك الدماء وانتهاك الأعراض وتعذيب أبناء شعبنا، والتحريض على هذه الجرائم، ونهب الأموال، إلا بعد أداء الحقوق، وتنفيذ القصاص. أما كل ما عدا ذلك فهو مما ينبغي أن يُغفر ويُضرب عنه صفحا، بيد أن مفتي البلاد الشيخ الصادق الغرياني، حفظه الله، قد يرى مصلحة شرعية في العفو عن بعض مرتكبي اللمم. أيا كان من الأمر فالحاجة ملحة جدا إلى هذه المصالحة.
لقد أثلج صدري رؤية شاحنات الطعام والدواء التي انطلقت من مدينة مصراتة إلى مدينة سرت،مع أن الدمار لا يكاد يخلو منه شارع من شوارعها، فيا ليت بقية مدننا تحتذي حذوها، وتقتفي آثارها، فنرى قوافل الطعام والدواء تسير إلى سرت، فيداوون بأعمالهم هذه النفوس قبل الأبدان. لقد كان الهالك الطاغية حريصا على نشر كل ما من شأنه بث روح الفرقة، وزرع بذور الشك بين قبائلنا، بل بين أفراد الأسرة الواحدة، أفلم يآن الوقت لرأب الصدع، وتقويم اعوجاج العلاقات بين بعض قبائلنا وبعضها الآخر وبين بعضنا البعض كأفراد؟.
لقد حرص الدجال الهالك على تصوير نفسه بالمسلم الحريص على نشر الإسلام، الحريص على مصلحة شعبنا، واستعان في هذا السبيل ببعض حارقي البخور ممن تلفعوا برداء العلم الشرعي زورا وبهتانا، ومارس خداعاً ومكراً نادرين في تاريخ الطغاة، حتى تبعه كثيرٌ من الدهماء والرعاع الذين ما استناروا بنور العلم، فينبغي أن لا يغيب هذا عن أذهاننا ونحن نتعامل مع بقاياهم في سياق المصالحة الكبرى.
إن علاج هؤلاء في تقديري إنما يتأتى بالحوار الهادئ والحجة الدامغة، وإبداء شيء من الرحمة كالطبيب الذي يداوي مريضا. فهل رأيتم طبيبا ينهر مريضا وهو يزعم علاجه؟ ولست ههنا أشير إلى الذين دفعهم اتباع الطاغية إلى ارتكاب جرائم بشعة لا تقرها شريعة من شرائع الأرض ولا عرف، وتمجها كل نفس سوية، فأولئك أشرت إلى حالهم آنفا، إنما أشير إلى المعجبين بالهالك الطاغية فحسب.
ومما يساهم كثيرا في إزالة ما علق في النفوس من بغضاء وشحناء الإكثار من الحديث عن الصفح والعفو في خطب الجمعة وعبر المحاضرات التي بدأت ولله الحمد والمنة تنتشر عبر قاعات الجامعات والمؤسسات انتشار النار في الهشيم.
ولا أجد أعظم مما سطره رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في كل جانب من جوانب الحياة، ومنها مسألة العفو والمصالحة. حين دخل إلى مكة عزيزا، وهو مطأطئ الرأس تواضعا، والتف حوله مشركو قريش خائفين فقال لهم كلمته العظيمة الرائعة: لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء. فماذا حصل بعد تلكم المقولة التي ما آلفتها آذان العرب آنذاك؟ لقد دخل مشركو العرب إلى الإسلام زرافات ووحدانا. حصل هذا لأن النفوس البشرية جبلت في الأعم الغالب على قبول الإحسان وتقدير العفو والصفح. يقول ربنا سبحانه وتعالى:
(ادفع بالتي هى أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدواة كأنه ولي حميم)
وقد حصل ما يشبه هذا من سكان سمرقند حين دخلوا الإسلام بعدما رأوا ما لم تألفه عيونهم من خروج للفاتحين وقد كانوا قادرين على البقاء، وقبل ذلك ما لمسوه من ضروب رحمتهم وصلاحهم، وكانوا قادرين على القتل والإفساد، فكيف يكون الحال إن جسدنا الرحمة والصفح فيما يجوز الصفح فيه ونحن جميعا مسلمون ليبيون؟
ومما يؤثر عن علي رضى الله عنه قوله : أولى الناس  بالعفو أقدرهم على العفو. والعرب يقولون: لا سؤود مع انتقام.
ندعو الله أن ينشر السلام والوئام بين أفراد شعبنا وأن يحفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفق حكومة بلادنا لعمل ما يحبه ويرضاه.
Suhyb11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق