نهاية محتومة لطاغية كان يريد أن يحرق ليبيا بأكملها
أحمد صبري السيد
يشكل مقتل العقيد الليبي معمر القذافي مرحلة مفصلية هامة في تاريخ ليبيا وتكلل الانتصار الحقيقي لثورة السابع عشر من فبراير والتي سعت للإطاحة بنظام القذافى الديكتاتوري الذي استمر في الحكم نحو 42 عاما وتضع ليبيا على نهاية عهده للأبد وفتح أفق جديد للحرية والديمقراطية.
فغيابه عن المشهد يشكل منعطفا هاما في تاريخ ليبيا ويمثل غياب أقدم طاغية من طغاة العالم كما يروق لكثيرين من أبناء الشعب الليبي وصف ذلك حيث أنه زج بالآلاف من الليبيين في السجون والمعتقلات كما قتل الآلاف خاصة عقب اندلاع ثورة 17 فبراير وتسبب بعناده وتشبثه بالسلطة في تدمير البنية التحتية لليبيا وإراقة أنهار من الدماء.
ليبيا بين ثورتين
وقد اندلعت الثورة الليبية أو ثورة 17 فبراير متأثرة بالثورتين في دول الجوار مصر وتونس وسرعان ما تطورت ثورة ليبيا من السلمية للعنف وإلى الحرب والنزاع مسلح وبدأت احتجاجات شعبية في بعض المدن الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، حيث انطلقت في يوم 15 فبراير إثر اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل في مدينة بنغازي فخرج أهالي الضحايا ومناصريهم لتخليصه وذلك لعدم وجود سبب لاعتقاله، وتلتها يوم 16 فبراير مظاهرات للمطالبة باسقاط النظام بمدينة البيضاء فأطلق رجال الأمن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين، كما خرجت مدينة الزنتان في نفس اليوم وقام المتظاهرون بحرق مقر اللجان الثورية ، وكذلك مركز الشرطة المحلي ، ومبني المصرف العقاري بمدينة الزنتان، وازدادت الاحتجاجات اليوم التالي وسقط المزيد من الضحايا وجاء يوم الخميس 17 فبراير عام 2011 على شكل انتفاضة شعبية شملت بعض المدن الليبية في المنطقة الشرقية فكبرت الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 ما بين قتيل وجريح برصاص قوات الأمن ومرتزقة تم جلبهم من قبل النظام. وقد تأثرت هذه الاحتجاجات بموجة عارمة من الاحتجاج والتي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير في مصر واللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس حسني مبارك.
قتال الجرذان "زنجة زنجة"
وقاد هذه الثورة الشبان الليبيون الذين طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. كانت الثورة في البداية عبارة عن مظاهرات واحتجاجات سلمية ولكن مع تطور الأحداث وقيام الكتائب التابعة لمعمر القذافي باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة والقصف الجوي لقمع المتظاهرين العزّل، تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بالقذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة مؤكدا في مقولته التاريخية التي لن ينساها الليبيون والعالم أنه سيتعقب الثوار الذين وصفهم بالجرذان في أنحاء ليبيا شبر شبر ودار دار وزنجة وزنجة.
وبعد أن أتم المعارضون سيطرتهم على الشرق الليبي أعلنوا فيه قيام الجمهورية الليبية بقيادة المجلس الوطني الانتقالي، وفي يومي 21 و22 اغسطس دخل الثوار إلى العاصمة طرابلس وسيطروا عليها وخيم بعد ذلك الغموض على مصير العقيد معمر القذافي وأبنائه وخاصة سيف الإسلام.
القذافي بين ثورة الفاتح و17 فبراير
وتعود قصة صعود القذافي بعد تحرر ليبيا من غزو إيطاليا في فبراير عام 1943 حكمت أسرة الملك السنوسي البلاد وظلَّت ليبيا مملكة تحتَ نظام ملكيٍّ وراثي حتى تاريخ 1 سبتمبر 1969، عندما استغلَّ الملازم الشاب معمر القذافي وُجود الملك السنوسي خارج البلاد لتلقي العلاج ونفذ ثورة الفاتح من سبتمبر ليستولي على السلطة ويُعلن قيام الجمهورية العربية الليبية،ثمَّ أعلن في 2 مارس 1977 عن بدء "سلطة الشعب" وغير اسم الدولة إلى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية (وأضاف لاحقاً كلمة "العظمى" في 14 أبريل 1986 بعدَ الغارات الأمريكية على ليبيا، بصفتها تحدَّت دولة عظمى).
بعدَ "إعلان قيام سلطة الشعب" في عام 1977 تغيَّر نظام الحُكم في ليبيا إلى نظام مُعقد وغير اعتياديٍّ وضع أسسه العقيد معمر القذافي، وهوَ ما يُسميه النظرية العالمية الثالثة[ (باعتباره طريقة الحُكم الثالثة بعدَ الماركسية والرأسمالية)، وألف لذلك الأسلوب الفريد والغريب في الحكم كتاباً اسمه "الكتاب الأخضر" يَشرح أسسها ومفاهيمها حيث اعتمد على نظام الحُكم على مبدأ اللجان الشعبية، إذ أن المؤتمر الشعبي العام يُعد أعلى سلطة تشريعيَّة في الدولة وفق هذا النظام، حيث يَحل مكان مجلس الوزراء ويَقوم بسن القوانين وغيرها من التشريعات، ويَتكوَّن هذا المؤتمر العام من مُمثلين عن عامة الشعب، إذ أن سكان البلاد مُقسمون إلى وحدات محلية تحوي كلٌّ منها 1,000 شخص، يَقومون بدورهم بانتخاب شخص منهم ليُمثلهم في المؤتمر.
يُعد معمر القذافي أطول حاكم غير ملكيٍّ من حيث مدة الحُكم في تاريخ العالم أجمع، وأطول حاكم في تاريخ ليبيا منذ أن أصبحت ولاية عثمانية عامَ 1551،[ لكنه معَ ذلك يَعتبر أنه ليسَ حاكماً ولا يَملك أيَّ منصب، إنما "قائداً" و"زعيماً" ومناضل مجاهد مقاتل وثائر فيما يَحكم الشعب نفسه بنفسه.
سياسي غريب الأطوار
كان القذافي إنساناً غريبَ الأطوار بشكل عام، وكثيراً ما كان يُحاول الخروج عن المُعتاد في أفكاره، فكان يُلقب نفسه بـ"ملك ملوك إفريقيا"، ويَدعو إلى دولة مُتحدة في فلسطين باسم "إسراطين"، كما ألغى التقويم الهجريَّ في ليبيا واعتمدَ تقويماً شمسياً جديداً يَبدأ تأريخه من وفاة النبي محمد ويَعتمد تسميات خاصة للأشهر مُختلفة عن سائر التقاويم الأخرى (وقد آثار تقويمه هذا انتقادات واسعة في الأوساط العربية). وكانت العلاقات عموماً متوترة بين القذافي والغرب خلال مُعظم فترة حكمه، ووصلَ الأمر إلى حد فرض عُقوبات قاسية ضد ليبيا في مجلس الأمن الدولي عام 1989، لكن معَ ذلك فبعدَ رفع المجلس لعقوباته في عام 1998عادت العلاقات بين ليبيا والغرب للتحسُّن بسرعة والتوطد إلى حد كبير، ومن ضمن ذلك دفعه تعويضات بمقدار 2.7 بليون دولار إلى الغرب عام 2003 بسبب التوترات السابقة، ثمَّ تفكيكه لأجهزته النووية وإلغاء برنامجه النووي وإهداء مخططاته ومعداته كافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
شهد فترة حكم القدافى سجل حافلا بانتهاكات صارخة لحقوق الانسان وزاد قمع الحريات وتقنين الصحافة والرقابة على المطبوعات وزاد سجناء الرأى والسجناء السياسين وقتل المئات منهم وتم التنكيل والتهجير بأسرهم وزاد الخوف من أجهزة الأمن والبوليس السياسى . ولا ننسى فترة الاعدامات الجماعية التى راجت فى نهاية السبعينات ومنتصف الثمانينات وراح ضحيتها العديد من طلبة الجامعات والمثقفين واصحاب الفكر السياسى المناهض لفكر القدافى واعدموا على فى الساحات والميادين والجامعات.
أحداث 17 فبراير 2006 الدامية
وفي بنغازي اندلعت أحداث عام 2006 بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد، التي خرج رداً عليها المئات في المدينة في يوم الجمعة 17 فبراير واتجهوا نحوَ القنصلية الإيطالية بها، وحاولَ المُتظاهرون اقتحام القنصلية فاعترضتهم قوَّات الشرطة، ثمَّ صعدَ فتى إلى مبناها وانتزعَ العلم فأطلقت الشرطة عليه النار،وبذلك بدأ الاشتباك بين المُتظاهرين الغاضبين ورجال الشرطة الذي تطوَّر إلى استخدام الرَّصاص الحي وانتهى بمقتل 11 متظاهراً وسُقوط ما لا يَقل عن 35 جريحاً. وبعدَ هذه المجزرة تطوَّرت الأحداث، فاندلعت الاحتجاجات مُجدداً يوم السبت وأحرق المُتظاهرون الغاضبون القنصلية الإيطالية بعدَ أن اتجهوا إليها مُجدداً، وخلال فترة أيام 18 - 20 فبراير توسعت دائرة مطالب المُحتجين، فأخذوا بالتوجه نحوَ رموز السلطة بليبيا نفسها، وأحرقوا أربع مقارٍ للشرطة ومبنيي الضرائب والمباحث الجنائية فضلاً عن اقتحامهم لمديرية الأمن في بنغازي، وكانت حصيلة المباني الحُكومية التي أحرقوها في آخر الأمر حوالي 30 مبنى. وفي سبيل احتواء هذه الاحتجاجات أعلنت السلطات الليبية الحداد على "شهداء" مجزرة 17 فبراير وأقالت وزير الأمن العام بالبلاد، كما اهتمَّت بنقل عددٍ من جرحى المُظاهرات للعلاج في الخارج. وبعدَ وُصول الاحتقان إلى هذا المستوى على مدى أربعة أيام من التوترات في مدينة بنغازي، انتهت الأحداث بفرض السلطات الليبية لحالة الطوارئ وإعلانها حظر التجوال في المدينة، معَ إرسال تعزيزات أمنية إليها من المناطق المُجاورة للحرص على عدم تكرار المُظاهرات.
كما شهدت مدينة البيضاء في 1 سبتمبر عام 2006 احتجاجاً عارمة اثناء احتفال انقلاب 1969 او ما يعرف الفاتح، وقام بعض المواطنين بالهجوم على عربات بها دبلوماسيين والعقيد القذافي احتجاجاً على الاوضاع الاقتصادية بالمدينة، مما ادى إلى كسر نوافذ السيارات ولم يصاب على اثرها اي شخص.
الدعوة إلى الثورة الليبية
أنشأ الناشط "حسان الحجمي" المتخصص في مجال المعلوماتية يومَ الجمعة 28 يناير صفحة على موقع الفيسبوك الاجتماعي تدعو إلى انطلاق ثورة في كافة أنحاء ليبيا يوم 17 فبراير، في ذكرى أحداث مدينة بنغازي عامَ 2006 الخامسة ، وللتخلص من الفقر والتعبير عن حقوق الشعب الطبيعية حسبَ وصف صاحب الصفحة لوظيفتها. وسُرعان ما بدأت صفحته بالانتشار، وبدأ بتشكيل شبكة اتصالات معَ ناشطين آخرين في البيضاء وبنغازي وطرابلس يَدعون إلى انتفاضة مُشابهة في البلاد.
وبالتزامن معَ ظهور هذه الدعوات على الإنترنت، في أوائل شهر فبراير ادعى "المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية" أنه علمَ من مصادر مطلعة في السلطات الليبية أن هناك خططاً لاحتواء أي حراك شعبيٍّ مستقبلي مُحتمل بتنفيذ عددٍ من الإصلاحات السياسية والاجتماعية في البلاد، ستتضمن تشكيل حكومة جديدة لوضع دستور جديد وسن قانون للأحزاب. كما قالَ المؤتمر في يوم 4 فبراير أن خطبَ الجمعة في مُختلف أنحاء ليبيا تناولت موضوع أمن واستقرار البلاد وركزت عليه، مما اعتبره مُحاولة أخرى لاحتواء الحراك الشعبي. وفي الأيام الأولى من شهر فبراير أيضاً، اجتمعَ مسئولون في النظام أكثر من مرة معَ ناشطين ومثقفين وممثلين للقبائل الليبية لإبلاغهم بضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، وحماية الشعب والمواطنين مما يُنشر على الإنترنت من دعوات محرِّضة.
وقبل انطلاق الثورة بقليل، اجتمعت جهات وتنظيمات وقوى مُختلفة من المعارضة الليبية في الخارج لمُناقشة الوضع السياسي في البلاد يومَ الإثنين 14 فبراير، وصفت نفسها بأنها: "تنظيمات وفصائل وقوى سياسية مستقلة وشخصيات وطنية ليبية ومنظمات وهيئات حقوقية مهتمة بالشأن الليبي العام". وأصدرت هذه الجهات والتنظيمات معاً بياناً موحداً طالبت فيه الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بالتنحي عن الرئاسة ونقل نظام الحُكم بشكل سلمي ليُصبحَ مرتكزاً على أسس الديمقراطية.
وفي النهاية في يوم 14 فبراير وقبل بدء الثورة بيوم واحد ألقت السلطات الليبية القبضَ على المحامي فتحي تربل في بنغازي المُعارض لنظام القذافي والمسؤول عن قضية أهالي ضحايا مجزرة سجن أبو سليم في القضاء، بالإضافة إلى عدة ناشطين آخرين بينهم المُدوِّن "فرج الشراني"، مما اُعتبرَ الشرارة الأولى الفعلية للاحتجاجات الليبية ومُفجِّرها الرئيسيّ.
خرجت في يوم السبت 19 فبراير مسيرة بمدينة بنغازي لتشييع قتلى اليومين السابقين، فأطلقت مجموعات من المغاوير النار على المُحتجين بكثافة وقصفتهم بالأسلحة الثقيلة ومضادات الطائرات، مما أدى إلى سُقوط 15 قتيلاً على الأقل حسبَ منظمات حقوق الإنسان الدولية،لكن مع ذلك فقد قال الناشط فتحي تربل أن العدد قد يَصل إلى 200 قتيل في بنغازي وحدها منذ بداية الاحتجاجات، في حين أفادت مصادر طبيَّة يوم الأحد التالي أنه يُوجد في "مستشفى الجلاء" بالمدينة حوالي 300 جثة لقتلى من الاحتجاجات فضلاً عن وُجود قرابة 1,000 جريح فيه، مما يُمكن أن يَعني أن عدد ضحايا المجزرة أضخم بكثير.[ كما سقط في مدينة البيضاء وحدها ما يقارب 150 قتيل، وسقط قتيل آخر في مصراتة خلال تفريق مُظاهرة. وفي يوم الأحد 20 فبراير استمرَّت الاضطرابات في بنغازي، وخرجَ عشرات آلاف المُتظاهرين إلى الشوارع فهاجمهم مُسلحون وتسبَّبوا بسُقوط 50 قتيلاً. وبعدَ هذه الاشتباكات أعلنت قوَّات من الأمن والجيش انضمامها إلى المحتجين، وسلمتهم مبنى مديرية الأمن بالمدينة فنهبوه وأحرقوه. وبعدَ انضمام الأمن والجيش هذا اضطرَّ أنصار القذافي والموالون له إلى الانسحاب من المدينة، فأصبحت تحتَ سيطرة المحتجين بالكامل هيَ الأخرى مثل البيضاء والزنتان فيما أطلقوا عليه "تحرير المدينة".وإلى جانب هذه المدن الثلاث، أفادَ ناشطون أيضاً بسيطرة المُحتجين على مدينة رابعة يومَ الأحد هيَ الزاوية بعدَ خروج مُظاهرات حاشدة فيها. وفي العاصمة طرابلس خرجت مُظاهرات بالآلاف في منطقتي سوق الجمعة والدهان شرقي المدينة، وانشقت قوَّات الأمن والشرطة مُلتحقة بالمُتظاهرين فانسحبَ أنصار القذافي، وأعلنت قوَّات الجيش في قاعدة معيتيقة الجوية المُجاورة انشقاقها أيضاً، فوقعَت المنطقة بأكملها بذلك في قبضة المُحتجين، الذين حاصروا مقرَّ الإذاعة وقرُّوا التوجه نحوَ الساحة الخضراء وسطَ العاصمة حيثُ بدؤوا اعتصاماً مفتوحاً. لكن سُرعان ما جاءَ مرتزقة أجانب ليبدؤوا بإطلاق النار على المُعتصمين، ثمَّ انطلقت مُظاهرة مناصرة للقذافي في الساحة واصطدمت معَ المناهضين له. كما قطعت خدمات الإنترنت بالكامل عن ليبيا في مساء الأحد.
وبعدَ أحداث العاصمة هذه، ظهرَ سيف الإسلام القذافي مساء يوم الأحد 20 فبراير في خطاب على التلفزيون للمرَّة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات، حذر خلاله من إمكانية اندلاع حرب أهلية في ليبيا بسبب طبيعتها القبلية منبهاً إلى أنها "ليست تونس أو مصر"، كما وعدَ بسن قوانين إصلاحية وتعديل الدستور لإرضاء المحتجين. وبعدَ هذا الخطاب تأججت المُظاهرات وخرجت في مَناطق مُختلفة من العاصمة، من ضمنها شارع عمر المختار، وقامت الحشود الغاضبة بإحراق العديد من المباني الحكومية في المدينة.
وقد كان الأهم من انضمام الجيش في يوم الأحد هوَ بروز بعض ردود الفعل المحلية الأولى اتجاه الاحتجاجات، إذ استقالَ مندوب ليبيا في الجامعة العربية معبراً عن انحيازه إلى "الثورة الشعبية"، وفي المُقابل أعلنت قبائل كبرى عديدة من قبائل ليبيا دفعة واحدة عن انحيازها إلى المحتجين وتخليها عن نظام القذافي، أبرزها قبيلتا ورفلة - أكبر قبيلة في البلاد بتعداد يَبلغ مليون نسمة - وترهونة - ثاني أكبر قبيلة بنفس التعداد تقريباً والتي يَنتسب إليها معظم جنود الجيش -، فضلاً عن "قبيلة الزوي" في مناطق حقول النفط بالجنوب التي أعلنت أنها ستُوقف ضخَّ النفط إلى العالم خلال 24 ساعة إن لم يَتوقف "سفك الدم الليبي".
انشقاق الدبلوماسيين
وفي تطوُّر غير مسبوق في استقالات السلك الدبلوماسي ، أعلنَ 6 سفراء لليبيا في دول بريطانيا وبولندا والصين والهند وإندونيسيا وبنغلادش استقالتهم دفعة واحدة. فيما وصلت الانشقاقات إلى الوزراء، حيثُ أعلن وزيرا العدل مصطفى عبد الجليل وشؤون الهجرة والمغتربين علي الريشي استقالتهما احتجاجاً على "العنف في قمع الاحتجاجات".
سقطت في يوم الأربعاء 23 فبراير مدية جديدة في أيدي المُحتجين، هيَ مصراتة الوَاقعة شرق طرابلس. وقد كانت العاصمة هادئة خلال اليوم، معَ عدم مُلاحظة وُجود غير اعتيادي للأمن والجيش، على الرغم من أن الشوارع ظلَّت خالية تماماً نتيجة لاستهداف أي شخص يَمشي فيها بالرَّصاص مباشرة. وفي الشرق سيطرَ الثوار على مدينة البريقة بمُساعدة كتائب أمنية مُنشقة. أما عدد القتلى الإجماليِّ في أنحاء ليبيا فقد بلغ بحلول الأربعاء 640 قتيلاً الغالبية العُظمى منهم في بنغازي وطرابلس وحدهما، في حين وصلت بعض التقديرات إلى 2,000 قتيل. اقتحمت كتائب القذافي يومَ الخميس 24 فبراير مدينة الزاوية وأطلقت النار برشاشات مضادة للطائرات على المُحتجين المُعتصمين في ساحتها، فسقطَ 16 إلى 23 قتيلاً جرَّاء ذلك، لكن المُحتجين عادوا للتجمُّع وأبقوا المدينة تحتَ سيطرتهم بعد انتهاء الهجوم مُباشرة. وفي مصراتة بلغت كتيبة خميس القذافي المدينة صبلاح اليوم لتبدأ هجوماً مفاجئاً عليها سيَستمر لشهور لاحقة، وقتلت خلاله منذ اليوم الأول 4 من المدنيِّين. أما مدينة زوارة المثجاورة فقد اختفى الأمن منها وسقطت في أيدي المُحتجين. وفي العاصمة اقتحمَت قوات القذافي المستشفيات وقامت بتصفية جرحى المُظاهرات الذين نقلوا إلى هناك سابقاً، فيما اختطفت الجثث، بينما ظلت شوارع المدينة خالية تماماً.
في صباح يوم الجمعة 25 فبراير أغارت كتائب القذافي على مدينتي الزاوية ومصراتة، لكن الأهالي صدوا الكتائب في كلا المدينتين. وقد اندلعت الاحتجاجات بالعاصمة في أكثر من 7 مواقع وحاولت بلوغ الساحة الخضراء، لكن 15 قتيلاً سقطوا بين المُحتجين بعدَ قمع جميع المُظاهرات. كما سقطت في أيدي المُحتجين مدن الزنتان وجادو ونالوت. وتعرَّضت مدينة الزاوية لهجوم جديد في 26 فبراير أوقع 50 قتيلاً بعدَ قصف مُتظاهرين بالمدفعية الثقيلة.
وعلى الصعيد الدولي صدرَ أول قرار رسمي بشأن الأحداث في ليبيا من مجلس الأمن الدولي، إذ أصدرَ قرار المجلس رقم 1970 الذي فرض عدداً من العُقوبات على نظام القذافي وقياداته وأسرته وأدان بشدة قمع الاحتجاجات،فأدان القذافي بدوره القرار واعتبرَ أنه باطل ورفع بشأنه مذكرة إلى محكمة العدل الدولية. ومعَ هذا التطور الدولي جاءَ تطور محليُّ كبير آخر، إذ شهدَ يوم الأحد 27 فبراير الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي في شرق ليبيا بالمدن التي سيطرَ عليها المُحتجون، الذي أكَّد أن تشكيله كان بالتعاون معَ قيادات الثوار في جميع مدن البلاد.
بدء الصراع المسلَّح
حملَ الثوار في يوم الخميس 17 فبراير الأسلحة النارية للمرَّة الأولى، إذ كان ذلك في مدينة البيضاء ومحيطها عندما انشقت "كتيبة الجارح" التابعة للحرس الجمهوري الليبي وبدأ جنودها بتبادل إطلاق النار معَ الجنود الموالين للقذافي، وبذلك اندلعت معركة البيضاء،فأخذ ثوار البيضاء السلاح من بعض مخازن الذخيرة واتجهوا به إلى موقع كتيبة الجارح في مدينة شحات المُجاورة للبيضاء ولمساندة المُنشقين بالقتال، ومن ثم إلي مطار الأبرق الذى دارت به معارك، حيث تمكنوا الثوار من الاستيلاء على بعض الطائرات التي حطَّت فيه، وتدمير مهابط المطار في 18 فبراير 2011. ولاحقاً في 21 فبراير هاجمت كتائب القذافي المطار لانتزاعه من أيدي الثوار، لكنهم نجحوا في اسقاط طائرة عمودية فنشبَ أوَّل اشتباك مسلَّح في الثورة الليبية. وبعدها تكرَّرَ الأمر مرة أخرى في يوم الإثنين 28 فبراير بمدينة مصراتة، حيثُ دافعَ الثوار بالأسلحة أيضاً عن المدينة التي تعرَّضت لهجوم آخر من طرف كتيبة خميس القذافي، وتمكنوا من إسقاط طائرة حربية تابعة للكتائب وتفجيرها بعدَ معركة قرب قاعدة جوية هامة،كما استخدموا المدفعية المضادة للطائرات في اليوم ذاته بمدينة أجدابيا لصد طائرات كانت تُحاول قصف مخزن الأسلحة القريب منها. لكن معَ ذلك فإن حركة الاحتجاجات لم تكن قد تحوَّلت بعدُ إلى ثورة مسلَّحة عندَ هذه المرحلة، إذ أن استخدام السلاح ظلَّ محدوداً بهاتين المدينتين وبهذه الاستخدامات البسيطة. وفي يوم الثلاثاء 29 فبراير سقطت مدينة مسلاتة في يد الثوار، فيما صدَّ ثوار مصراتة والزاوية والزنتان هجمات مُختلفة لكتائب القذافي.
في مدن الشرق الليبي التي خرجت منذ وقت مُبكر عن سيطرة القذافي، استولى الثوار - بطبيعة الحال - على عددٍ كبيرٍ من مخازن الأسلحة بعدَ أن أحكموا سيطرتهم على تلك المناطق، وحصلوا منها على كميات كبيرة من الذخيرة التي يُمكنها تسليح آلاف المُقاتلين.
وفي أول مارس أن عدد المُتطوعين المُجتمعين في مدينة أجدابيا أصبحَ حوالي 10,000 مقاتل. وفي أواخر شهر فبراير أيضاً كانَ بعض الثوار في الجبل الغربي بمدن كالزاوية مُسلحين بأسلحة أخذوها من مخازن الذخيرة، وكانوا يُطلقون النار بها في الهواء قائلين أنهم لا زالوا يَتظاهرون سليماً، لكنهم سيُقاتلون عندَ اللزوم.
من فجر الأوديسا لمقتل القذافي
بعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1973 القاضي بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين، تداعت دول غربية وعربية وأحلاف عسكرية لتنفيذ القرار الأممي. وأطلقت الدول المشاركة في تنفيذ القرار اسم فجر أوديسا على العمليات التي بدأت بتاريخ 19 مارس 2011.
واستمر الصراع وسقطت مدن ليبيا واحدة تلو الأخرى أمام زحف وإرادة الثوار حتى آخر معقل في سرت وبني وليد. وقدوم الأنباء عن مقتل القذافي اليوم الخميس 20 أكتوبر في سرت.
20 اكتوبر 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق