باراك بارفي: يبدو أن انشقاق قيصر النفط الليبي شكري غانم أيقظ لدى العالم بأسره الأمل في انهيار نظام القذافي ولو ببطء, فقد صار كل شيء محتملًا بعد هذا "الانشقاق رفيع المستوى"؛ فغانم, هو رئيس المؤسسة الوطنية للنفط, والذي كان له فضل كبير على القذافي في تطوير البلاد، لكنه أصيب بكثير من الإحباط بسبب المحيطين بالقذافي, والذين طالما أحبطوا برنامجه الإصلاحي.
وبعد الأداء الباهر في منصب وزير الاقتصاد والتجارة الليبي بين عامي 2001 و 2003, تم ترشيح غانم لمنصب رئيس مجلس الوزراء في يونيو 2003, لكنه سرعان ما اصطدم بحاشية القذافي الداخلية القوية, والذين كانوا يخشون من مشاريع غانم لخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتفكيك الاحتكارات، وهو ما يمثل تهديدًا لمصالحهم الاقتصادية. ولم يكن بمقدور غانم مقاومة هذه الحاشية القوية, التي أحبطت خطة رئيس الوزراء من "تحويل ليبيا إلى سوق حرة ومركز للتجارة بين أفريقيا وأوروبا وبقية العالم". ولافتقاره للدبلوماسية والمرونة السياسية, أدى ذلك إلى الإطاحة به من منصب رئيس الحكومة، وتقلده منصب رئيس المؤسسة النفطية للبلاد في 2006.
وبعد الأداء الباهر في منصب وزير الاقتصاد والتجارة الليبي بين عامي 2001 و 2003, تم ترشيح غانم لمنصب رئيس مجلس الوزراء في يونيو 2003, لكنه سرعان ما اصطدم بحاشية القذافي الداخلية القوية, والذين كانوا يخشون من مشاريع غانم لخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتفكيك الاحتكارات، وهو ما يمثل تهديدًا لمصالحهم الاقتصادية. ولم يكن بمقدور غانم مقاومة هذه الحاشية القوية, التي أحبطت خطة رئيس الوزراء من "تحويل ليبيا إلى سوق حرة ومركز للتجارة بين أفريقيا وأوروبا وبقية العالم". ولافتقاره للدبلوماسية والمرونة السياسية, أدى ذلك إلى الإطاحة به من منصب رئيس الحكومة، وتقلده منصب رئيس المؤسسة النفطية للبلاد في 2006.
جدير بالذكر أن انشقاق غانم يُعد الأحدث في سلسلة طويلة من التمردات على القذافي, ومنهم وزير العدل مصطفى عبد الجليل, الذي يترأس حاليًا المجلس الوطني الانتقالي، ووزير الخارجية السابق موسى كوسا, والذي كان مسئولًا في العقود السابقة عن اغتيال رموز المعارضة الليبية في الخارج, وبرغم أن المجتمع الدولي بذل كثيرًا من الجهود مع هؤلاء الرجال لاتخاذ قرار الانفصال عن نظام القذافي, إلا أن هذا الانشقاق لم يجدي في الواقع كثيرًا لزعزعة نظام الزعيم الليبي, كما أنه من غير المرجح أن يكون للانشقاقات المقبلة أي تأثير, لكن إذا ما أرادت القوى الغربية حقًا الإطاحة بالقذافي, فلا ينبغي عليها أن تولي المنشقين اهتمامًا كبيرًا, بل ينبغي عليهم أن تركز أكثر على القوة الحقيقية وراء العرش: وهي القبائل التي تدعم القذافي.
لكن, لماذا حاز انشقاق غانم على هذا الاهتمام الكبير؟ ببساطة, لأن التركيز الدولي ينصب على المقربين من القذافي، وهذا في غير محله, لدرجة أن المسئولين الأجانب عرضوا على بعض أعضاء النظام إما التخلي عنه أو مواجهة اتهامات جرائم الحرب, لذا صور العديد من محللي شئون الشرق الأوسط ومسئولين ليبيين سابقين هذا التخلي بأنه إرهاصات وبوادر زوال نظام القذافي, حيث وصف وزير الخارجية الليبي السابق عبد الرحمن شلقم انشقاق موسى كوسا بأنه "هجوم على المركز العصبي للنظام", مضيفًا أن فقدان "واحد من أهم الشخصيات في ليبيا" سيصيب القذافي بما يشبه غيبوبة, بينما وصفه نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق اليوت ابرامز بأنه "ضربة قاصمة للقذافي", مشيرًا إلى أن النظام ينهار.
ومع ذلك, فإن انشقاق غانم على سبيل المثال لم يسبب سوى بعض الخلخلة لهذا النظام, لأن قوة القذافي حالت دون المراوغات المتكررة من المنافسين المحتملين مثل كوسا لبناء قاعدة قوية يمكنها أن تهدد حكم الزعيم الليبي, وهكذا, حتى مع هؤلاء الرجال الكبار الذين انشقوا عنه, فما زال القذافي يقبض على السلطة بقوة, وتواصل قواته التصدي للثوار من التقدم نحو العاصمة.
وبهذا الشكل, باء التركيز على الانشقاقات الفردية بالفشل, وعوضًا عن التركيز على الأفراد في قمة سلطة القذافي, يتعين على الدول الغربية أن تركز أكثر على جذب القبائل التي تشكل قاعدة لنظامه, في بلد يشعر فيه 90 في المائة من سكانه بالانتماء للقبيلة, حسب دراسة أجرتها أمال العبيدي، الأستاذة الليبية، في 1994 و 1995, خلصت إلى أن العشائر تشكل اللبنات الأساسية للمجتمع الليبي.
يذكر أن قوات الأمن الليبية تعتمد كثيرًا على قبيلة "القذاذفة", بالإضافة إلى قبيلتي "ورفله" ومقرحى", التي تشكل الركائز الثلاث للنظام, وقد تكون قبيلة "مقرحى" بوجه خاص الأكثر عُرضة للانشقاقات؛ حيث إن عبد السلام جلود, عضو هذه القبيلة ونائب القذافي لفترة طويلة، كان قد جعل من "مقرحي" قوة رئيسية في السبعينات, إلا أن هذه القبيلة, التي ينتمي إليها رئيس المخابرات الليبي الحالي عبد الله السنوسي, عانت عندما شهدت العلاقة بين القذافي وجلود تأزمًا وانقسامًا في التسعينات, فقد عارض جلود بشدة قرار القذافي للمصالحة مع الغرب, مما جعل القذافي يضعه قيد الإقامة الجبرية، وعرض قبيلة "مقرحي" للعقاب الجماعي, وذلك بإزالة أعضائها من المناصب الرئيسية في أجهزة الأمن, وتقليل الرحلات الجوية إلى عاصمتها "سبها", وإغلاق محطات الوقود هناك, مما أثار استياء الكثير في القبيلة، الذين يسعون إلى بيئة سياسية أكثر استقرارًا.
حتى في قبيلته الخاصة "القذاذفة", صار موقف الزعيم الليبي غير آمن, حيث إنه أبعد كثيرين من رجال قبيلته الخاصة في مناسبات عديدة, وبالطبع لم يغفروا له قتل قريبه العقيد حسن إشكال في عام 1985 بسبب انتقاده للسياسات الوطنية للعقيد, لذا فمن المرجح أن يؤدي استهداف هذه القبائل التي تمثل دعائم نظام القذافي إلى زعزعة أركان سلطته. ولأنهم يمدون قطاعات واسعة من القوات المسلحة, فإن انشقاقهم عنه سيضر به في ساحة المعركة, حيث إن المتمردين الجدد في المناطق القبلية الرئيسية سيرغمون القذافي على إبعاد وحداته العسكرية عن العاصمة والجبهة الشرقية، حيث تقاتل قواته الثوار, تاركين الزعيم الليبي في معقله يعاني.
لكن ما الذي يتطلبه الأمر لإقناع هذه القبائل للتخلي عن القذافي والانشقاق عنه؟
إنهم وعلى عكس الآخرين, لا يريدون الأسلحة أو الأموال للانضمام إلى التمرد ضد القذافي, ولكنهم بدلًا من ذلك, في حاجة إلى ضمانات بأن أعضاءهم لن يكونوا هدفًا للانتقام من الليبيين الغاضبين من تعاون هذه القبائل لعقود طويلة مع القذافي, حيث إنهم يرتبطون بشكل معقد مع عشيرة القذافي بمجموعة من الاتفاقات الثنائية، والتي تعد حجر الزاوية في القبائل, إلا أن مجرد إيجاد وسيلة لسحب دعمهم للزعيم الليبي دون تشويه صورتهم من خلال انتهاك هذه الاتفاقات أو تعريضهم للخطر هو أمر بالغ الأهمية.
وختامًا, صار لزامًا على المجتمع الدولي أن يركز على كيفية تقديم هذه الضمانات للقبائل, وذلك عن طريق تأمين انشقاقها عن قاعدة نظام القذافي, بدلًا من انتظار المزيد من الانشقاقات الفردية, وهذا ما قد يكون مفتاح إسقاط الزعيم الليبي إلى الأبد.
المصدرـ ترجمة/ الإسلام اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق