الأربعاء، 8 يونيو 2011

أصحاب الأعمال التجارية يخشون الفوضى بعد القذافي

رحيله أسوأ سيناريو محتمل.. وصمام الأمان سيختفي وتندلع حرب أهلية
سيمون دينير* : خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الليبية موسى إبراهيم إنه سيحمل سلاحه « AK-47» بنفسه إذا اضطر لذلك. وأضاف: «إذا تطلب الأمر، سنحمل أسلحتنا وبنادق الكلاشنيكوف ونقاتل.
إن رحيل القذافي هو أسوأ سيناريو محتمل لليبيا. وإذا اختفى القذافي لأي سبب، فإن صمام الأمان سيختفي وستندلع حرب أهلية».
ربما لا يتجاوز الأمر مجرد محاولات حكومية لبث الرعب - ومع ذلك، فإن هذا الخطاب يثير بالفعل القلق لدى بعض أصحاب المصالح التجارية في ليبيا والغرب، والذين يخشون على مستقبل هذه الدولة الشمال أفريقية المضطربة والمنقسمة على نفسها حال رحيل القذافي عن السلطة.
من جهتها، أعلنت حكومة القذافي أنها تعمل على توزيع السلاح على مليون من الموالين لها، وتلعب على العداءات القبلية القديمة لتأجيج المخاوف من استيلاء ليبيين من شرق البلاد على الحكم.
في هذا الصدد، علق رئيس تنفيذي لشركة أميركية بمجال الطاقة رفض الكشف عن هويته لحماية استثماراته في ليبيا، بقوله: «مشكلتنا الكبرى حتى إذا رحل القذافي هي الصراعات القبلية، حيث ستستمر القبائل في قتال بعضها البعض. وتشعر جميع الشركات المنتظرة لاستئناف نشاطاتها في ليبيا أن انتظارها سيطول، فحتى إذا سقط نظام القذافي، ستستمر الحرب الأهلية في ليبيا».
الملاحظ أن الشركات الأجنبية أحيانا تولي أهمية أكبر للاستقرار عن حقوق الإنسان، ويقول الكثير من الليبيين العاديين إن أي حل بخلاف رحيل القذافي سيعد بمثابة خيانة بعد 41 عاما من القمع على يديه. في المقابل، يشارك بعض أصحاب الأعمال التجارية الليبيين الأجانب في مخاوفهم، ويرون أن الغرب بحاجة لبذل المزيد من الجهود لتعزيز السلام والحوار، بدلا من مجرد الحرب.
من جانبه، قال عبد اللطيف طير، المدير العام لشركة «سابا كنسلتنغ آند إنجنيرينغ سيرفيسز» في طرابلس: «لو رحل القذافي غدا، ستقع أنهار من الدم. يجب أن يساعدنا المجتمع الدولي على حل مشكلاتنا سلميا، عبر الحوار. إننا بحاجة لإقرار ترتيبات بين جميع أطياف الشعب الليبي، وفترة انتقالية».
من بين المخاوف التي تساور كثيرين أن الغرب لم يترك سوى القليل أو لا مساحة على الإطلاق أمام «الأخ القائد» الليبي لإنقاذ ماء الوجه، مما جعل من المحتمل للغاية أن يستمر العقيد في القتال حتى آخر رصاصة.
في الواقع، رفض القذافي الأسبوع الماضي عرضا من الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما لإيجاد ملاذ آمن له في أفريقيا، حيث أصر على البقاء مع شعبه، حسبما أوردت «سي بي إس»، على لسان مسؤول جنوب أفريقي لم تفصح عن هويته.
وعلق بيير بونارد، مستشار تجاري يزور ليبيا من وقت لآخر منذ عام 2003 ويحاول حاليا تعزيز جهود إقرار حل سلمي للأزمة نيابة عن شركتين نفطيتين فرنسيتين، بقوله: «إنه ليس من النوع الذي ييأس، وعزة نفسه أهم من أي شيء آخر. إذا فرضت شيئا من الخارج، لن يقبله قط».
وخلقت الآلة الإعلامية الحكومية في نفوس الكثير من أنصار القذافي والقيادات القبلية بغرب البلاد القلق من أن يسفر انتصار الثوار عن تهميشهم في أفضل الأحوال، أو قتلهم في أسوئها. وحتى الآن، لم تفعل الحكومات الغربية شيئا لتهدئة هذه المخاوف.
عن ذلك، قال نعمان بن عثمان، مسلح إسلامي ليبي سابق نبذ العنف ويعمل الآن محللا لدى «كويليام فاونديشن»، وهي منظمة فكرية مقرها لندن: «إننا بحاجة للحديث أكثر عن السلام، وأقل عن الحرب».
وأضاف: «نحن بحاجة للشروع في الحديث عن بناء الدولة، بما في ذلك شرق وغرب البلاد. علينا التحلي بالوضوح بخصوص ليبيا المستقبلية، ونؤكد أن أحدا لن يعدم. هذا سيفيد كثيرا في طمأنة الناس».
وفي مؤشر على أن الرسالة بدأت تشق طريقها، أعلن وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أن الثوار بحاجة لتوضيح خططهم هذا الأسبوع للمرحلة الانتقالية لحقبة ما بعد القذافي. وفي أعقاب اجتماع قصير مع الثوار داخل عاصمتهم الفعلية بنغازي، قال هيغ إنهم خططوا بالفعل لضم تكنوقراط من حاشية القذافي الحاكمة إلى القيادة الجديدة، وذلك لأنهم تعلموا الدرس من العراق الذي أدى به قرار حرمان أعضاء «حزب البعث»، الذي ترأسه صدام حسين من تقلد مناصب حكومية إلى زعزعة الاستقرار.
وقال هيغ: «لن تتكرر سياسة تفكيك حزب البعث. بالتأكيد تعلم الثوار من تلك التجربة. والآن عليهم الإعلان عن ذلك بصورة أكثر فعالية، وأن يقنعوا أعضاء النظام الحالي بإمكانية تحقيق ذلك بنجاح».
إلا أنه في الوقت ذاته، أثارت خطة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لزيارة بنغازي لدى الكثير من الليبيين انطباعا مغايرا تماما، وهو أن الغرب بالفعل انحاز لطرف معين داخل ليبيا.
من جهته، قال شاشانك جوشي، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» في لندن: «نحن بحاجة لممارسة ضغوط على الثوار بدلا من رسم صورة حالمة لهم. وهذا الشعور بالشمولية ينبغي نشره. ونحن بحاجة للقول إننا سنبذل قصارى جهدنا لمنع جزء محدد من البلاد من الهيمنة عليها بأكملها».
إلا أنه في البداية يتعين على الغرب إيجاد مسار نحو عالم ما بعد القذافي الذي طالب به، وهذا المسار قد يكون كثير الصعاب.
يذكر أن الضربات الجوية التي شنها حلف «الناتو» دمرت الكثير من المواقع العسكرية في طرابلس، لكنها لم تعق في الجزء الأكبر منها الحياة الطبيعية، الأمر الذي يرجع في جزء منه إلى الجهود الكبيرة التي بذلها الحلف للحد من الضحايا المدنيين.
وشرح بونارد، الذي يقضي كثيرا من الوقت في الحديث إلى مسؤولين، أن: «ضغوط القصف لا تؤثر على النظام كثيرا. ولا يبدو عليهم الذعر أو القلق، بل يبدو أنهم مطمئنون تماما».
واعترف الكثير من المراقبين الغربيين بأن الانتصار العسكري للثوار يبدو غير محتمل، مشيرين إلى أن العقوبات من غير المحتمل أن تسقط القذافي في بلد مر بمحنة مشابهة في عقد التسعينات من القرن الماضي.
بدلا من ذلك، يعلق الكثيرون آمالهم على أن تعلن الحاشية المحيطة بالقذافي استسلامها، الأمر الذي لم تظهر مؤشرات توحي به حتى الآن.
من ناحيته، قال بونارد إنه يحاول تشجيع الحوار بين جميع الأطياف الليبية والغرب، لكنه يشعر بالقلق من أن المطالبة برحيل القذافي في بداية المحادثة لا تترك أرضية مشتركة.
وتساءل: «لماذا لا نجلس ونرى نقاط الاتفاق أولا؟»، مشيرا إلى الانتخابات كمثال واضح. وأضاف: «من المثير للغاية أن نبني الأمر على هذا النحو. لكن إذا بدأت بذكر القذافي، لن يتبقى ما تتفق عليه ولا تبني أي شيء».
حتى الآن، من العسير الترويج لفكرة الحوار، مع استمرار سعي القذافي والثوار نحو النصر في ميدان القتال.
عن ذلك، قال أوليفر مايلز، السفير البريطاني السابق لدى ليبيا، ونائب الرئيس الحالي للمجلس التجاري الليبي البريطاني: «كلا الجانبين متأهب ومقتنع أن وقت السعي للتسويات لم يحن بعد». ومع ذلك، قد تفتح بعض قنوات الاتصال.
يذكر أن رئيس المجلس ديفيد تريفغارن التقى وزير الخارجية الليبي عبد العاطي العبيدي في أواخر مايو (أيار) الماضي في إطار ما وصفه مايلز بأنه اجتماع شخصي بين صديقين قديمين.
وقال بونارد: «هناك أفراد أكفاء على الجانبين. وهناك مجال لمناقشة جادة حول ليبيا أفضل، وسيكون من المؤسف للغاية عدم بذل محاولة في هذا الاتجاه».
* خدمة «واشنطن بوست»
المصدر: الشرق الأوسط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق