الأربعاء، 8 يونيو 2011

الشرق العربي يمكن ان يغير العالم

حوار مع ليونيد ريشيتنيكوف: صحيفة "كراسنايا زفيزدا" (النجم الاحمر) تتناول بالتحليل الأوضاع المضطربة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معتبرة أن الأحداث الجارية في الشرق العربي بشكل عام، وفي ليبيا على وجه الخصوص، تشير إلى أن المنطقة تمر بتحولات لم تكن في الحسبان.
ويرى محللون إن ما يجري حاليا ما هو إلا بداية لحالة من عدم الاستقرار آخذة في الإتساع. ومن الصعب التنبؤ بالمدة التي ستستغرقها موجة الاضطرابات هذه، ولا بالنتائج التي ستنجم عنها. هذه المستجدات تنطوي على أهمية كبيرة تستوجب التوقف عندها لمحاولة فهم تعقيدات المشهد واستخلاص العبر. ولكي نتمكن من تحقيق ذلك، نجري حوارا مع ليونيد ريشيتنيكوف مدير المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية .
س ـ ليونيد بيتروفيتش، هناك شبه إجماع بين المراقبين، على أن الولايات المتحدة خططت مسبقا لكل ما يحدث، وزبيغنوف بجيزينسكي من رواد هذا الأساس الفكري، وهي أسس تستند إلى شئ من المنطق. بمعنى أن الولايات المتحدة تريد الصيد في المياه العكرة، وأية مياه عكرة أفضل من الثورات؟ بما تسببه من فوضى تضعف الدول وتتيح للولايات المتحدة التصرف بحرية مطلقة. وهناك رأي آخر يؤمن بأن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية تقف في مقدمة الأسباب المؤدية إلى اندلاع الثورات، وفي هذه الحالة أيضا تحاول الولايات المتحدة ركوب الموجة، والعمل على إدارة الأوضاع لمصلحتها. ما هي رؤيتكم أنتم لهذه التطورات؟
ج ـ إن الأحداث التي يشهدها العالم العربي في الوقت الراهن، يصعب تحديد عمقها وآثارها. أنا لا أفضل استخدام التحليلات المبسطة التي تقول بأن الولايات المتحدة هي من يخطط ويدبر. فالأمور أكثر تعقيدا مما تبدو عليه. يبدو أننا بتنا شهودا على تحولات جذرية في هذا الجزء من العالم، يمكن أن تمس الحضارة الإسلامية. لأن الحضارة الإسلامية من وجهة نظري، غير قادرة على الوقوف في وجه المد الأوروبي، المسيحي سابقا، والرأسمالي حاليا. ولو تمعنا في الأزمة الاقتصادية، لوجدنا أنها أضرت بالبلدان التي ترتبط بشكل وثيق مع العالم الغربي، أي البلدان الواقعة على قوس البحر الأبيض المتوسط من المغرب وحتى سوريا. لأن شعوب هذه المنطقة هم الأكثر تطلعا لنمط الحياة الغربي. وهناك حقيقة مفادها، أن العالم الإسلامي يخشى تسلل الفكر الغربي ونمط الحياة الغربي إليه. وعلى الرغم من ذلك، شهد عقد الثمانينيات من القرن الماضي تسربا واضحا لنمط الحياة الغربي إلى الشعوب الإسلامية. الأمر الذي مثل أحد أهم أسباب انتعاش ظاهرة الإرهاب في المنطقة، كشكل من أشكال التصدي لغربنة المجتمعات الإسلامية. وذلك في ظل إحساس باليأس من امكانية إيقاف هذا التسلل. لكن التصدي للنفوذ الغربي لم يتكلل بالنجاح. لأن الشعوب رفضت الوسائل التي تسببت في سقوط عدد كبير من الأبرياء ليس لهم أي ذنب. كما أن الفئة الغالبة في شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط، هي من الشباب، وهؤلاء في تحركاتهم الاحتجاجية، رفعوا شعارات تتمحور حول فكرة أساسية، وهي المطالبة بحياة كريمة كما هو الحال في الغرب. وهذا ما يفسر عدم تردد عشرات الآلاف من التونسيين في الهجرة إلى أوروبا، حالما سنحت لهم الفرصة. والأمر نفسه ينطبق على المغرب والجزائر. من جهة أخرى، نجد أن الأحداث في عدد من البلدان تحمل بصمات مسلمين أصوليين، ينتمون في غالبيتهم إلى المذاهب السلفية. ويلعب هؤلاء أدوارا متعاظمة في سوريا ومصر وفي ليبيا بشكل أكثر وضوحا. ومن الواضح أن ثمة جهات تعمل بشكل هادئ وتدريجي ومبرمج على تهميش المناطق المعروفة تقليديا بأنها مسلمة. ومن اللافت في هذه الأحداث أن النظم الملكية في الدول العربية كانت أكثر تماسكا. أما الأنظمة التي وصلت إلى السلطة عبر الانقلابات العسكرية،فلم تستطع أن تصمد في وجه عاصفة التغيير. فمنها من انهار، ومنها من ينتظر. ذلك أن هذه الأنظمة تميزت باستبدادها السياسي وكذلك بجشعها الاقتصادي المفرط. فقد استحوذت على كل شئ فلفظتها الشعوب. في هذه الأجواء، من الطبيعي أن تبدو الولايات المتحدة وحلفاؤها وكأنهم يقفون خلف هذه الأحداث، لكن، لو تناولنا الموضوع بشكل فلسفي، هذه النظرة قد تكون صحيحة لأن الديموقراطيين الأوروبيين، إعتادوا على إخضاع المجتمعات و الحضارات الأخرى لتأثيرهم. وإذا ما أخذنا بالاعتبار أحداثاً معينة في بلدان بعينها، لا يمكن توجيه أصابع الاتهام في كل ما يحدث إلى المخابرات المركزية الأمريكية والأجهزة الأمنية الغربية. بالطبع، هذه الأجهزة، وكما هو معلوم، تتواجد في كل مكان، حيثما تتوفر الامكانية لتدبير مؤامرات، أو حيثما توجد مناطق ساخنة. لكنني وعلى الرغم من ذلك، لا أعتقد أن واشنطن هي من خططت لما يحدث في مناطق شمال أفريقيا و الشرق الأوسط من تظاهرات وخلع أنظمة وأطلاق نيران، بل وأكثر من ذلك، أنا أجزم بأنهم تفاجئوا بهذه التحركات. أن المشكلة من وجهة نظري تكمن في شئ آخر، وهو امكانية فقدان العالم  لعامل استقرار مهم جداً، خاصة وأن هذا يحدث في ظل ظروف سياسية واقتصادية حساسة تمر بها أوروبا والولايات المتحدة، وهي مرحلة تنذر بقرب حدوث أزمة عالمية جديدة، إن انتصار الديموقراطية الأوروبية على الإسلام التقليدي، سيكون باهظ التكاليف، الأمر الذي يهدد بعواقب سلبية على العالم بأسره، لا يمكن التكهن بها.
س - هناك انطباع تولد لدى الكثيرين في التعاطي مع الأزمة الليبية وهو أن الولايات المتحدة بدت كما لو أنها تقف موقف المتفرج.
ج - ظهور الولايات المتحدة كمتفرج من وجهة نظري لا يعكس الحقيقة، لأن الأمريكيين يديرون اللعبة في الخفاء، ومن دونهم لا يمكن لشئ أن يحدث، ولا يمكن لقرار أن يتخذ، بل وأكثر من ذلك، هناك أنباء عن تواجد عناصر من القوات الخاصة الأمريكية في ليبيا، هذه الأنباء تناقلها بعض وسائل الإعلام. إن الانطباع الذي يظهر للوهلة الأولى، هو أن واشنطن تتجنب المشاركة الفعلية في ليبيا، وأن ذلك قلل من فعالية الحملة، هو انطباع مغلوط، والأصح هو أن العلاقة بين الأمريكيين والأوروبيين من حيث مستوى التنسيق واتخاذ القرار وتنفيذ الأعمال العسكرية، ليس هو بذات المستوى، الذي كان بين الأميريكيين والأوروربيين في السابق. وهناك سبب آخر لإطالة أمد الحرب في ليبيا، وهو أن القذافي يحظى بتأييد لا يستهان به في أوساط الليبيين، سواء في القبائل أو في شرائح المجتمع المختلفة، وليس سرا أن القائد الليبي يخص الشعب بشئ من الثروات، بخلاف مبارك وبن على، أما المعارضون للقذافي فهم على الأغلب من أبناء القبائل الغاضبين، ممن لديهم توجهات غربية أو دينية متطرفة، وهؤلاء هم الأكثرية. الغرب سارع إلى التدخل في ليبيا فور اندلاع الحرب الأهلية، وهو بذلك أساء تقدير قوة القذافي، وخروج الحلف الآن من الحرب ليس بالأمر السهل. والأمر الوحيد الذي قد يقود إلى انهيار قوات القذافي، هو موته بشكل مفاجئ، وأنا أعتقد أن هذا ما تسعى لتحقيقه أجهزة الاستخبارات التابعة للدول المعنية.
 س - هذا السيناريو يبدو قريبا من سيناريو القضاء على بن لادن، ألن تكون النتيجة هي، أن تشهد الساحة قدوم قادة جدد أقل سنا، وأكثر حماسا وقدرة على المراوغة، وقد ينجحوا في إعادة تنظيم الجماعات المتطرفة، وتوحيد صفوفها للقتال من أجل معتقداتهم.
 ج - ابن لادن في الأعوام الأخيرة لم يكن سوى رمز وزعيم روحي للإرهابيين، ولم يكن قائدا فاعلا في الميدان، يبدو لي أنه كان بمقدور الأمريكيين أن يقتلوه قبل ذلك، عندما اكتشفوا مخبأه، لكن الاختيار وقع على ذلك اليوم بالذات والتأخير سببه على الأغلب، هو أن الأمريكيين كانوا متخوفين من ردة فعل العالم العربي. أي أن الثورات جاءت في وقتها، فالمسلمون في شمال أفريقيا والشرق الأوسط أصبحوا منشغلين في أمور أهم بالنسبة لهم، من مصير ابن لادن. وفي المقابل ظهرت أنباء عن مقتل نجل القذافي وأحفاده، وذلك لصرف أنظار المجتمع الدولي عن عملية الاغتيال البشعة، على الأغلب أن القرار اتخذ بعد ذلك بتصفية رمز الإرهابيين. أعتقد أن قوة هؤلاء الأرهابيين تكمن في أنهم لا يتقيدون بمقر محدد، وهم يقومون بأعمالهم بمهارة تحت شعار أيديولوجي واحد وراية واحدة، وكلما زادت المشاكل في العالم الإسلامي كلما زاد تراجعه أمام المجتمع الرأسمالي الغربي، وهذا سوف يؤدي إلى زيادة استقطاب الشباب المحبطين، ويحولهم إلى متطرفين وإرهابيين.
 س -  لدى تصور أن الغرب يسيئ تقييم ما يحدث في سوريةا. سورية طرف مهم في التسوية في الشرق الأوسط،  وكل من سورية وإسرائيل تمران في حالة شبيهة بالحرب الباردة، وفي نفس الوقت هناك تأثير إيراني كبير على سورية. ومن غير المستبعد في حال سقوط نظام بشار الأسد أن يتفشى التطرف في سورية، ومن سيصل إلى السلطة سيكون أكثر قربا من حماس، وعندها ستحدث تحولات كبيرة في نزاع الشرق الأوسط.
 ج - الأوضاع في سورية تتطور بشكل يثير المخاوف، فهناك أطراف موالية للغرب، وحركات أصولية سلفية تسعى لإقامة خلافة إسلامية كما حدث في درعا. سقوط النظام الحالي في سورية يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب أهلية، وقد ترجح كفة السلفيين، وهذا يمكن أن يُخرج التسوية في الشرق الأوسط من مسارها الذي وضعه المجتمع الدولي، وأنا على ثقة بأن واشنطن تدرك ذلك، لذلك بدأت تحركات الأمريكيين وحلفائهم الأخيرة تتسم بالحذر فيما يتعلق ببشار الأسد، من المهم لإسرائيل بقاء الاستقرار في سورية في ظل قيادة معروفة لهم -لدرجة ما- كما هو الحال في بشار الأسد. وإلا فإن تل أبيب يمكن أن تجد نفسها في وضع لا يصب في مصلحتها، خصوصا وإن إسرائيل تمر حاليا بمرحلة صعبة، حتى في ظل النظام الحالي. وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة في محاولاتها لفعل شئ جيد للعرب، قد تزيد من جهودها لإنشاء دولة فلسطينية، وهذا ما يبرر الصمت الأمريكي على دخول حماس في منظمة التحرير الفلسطينية.
س - تتبادر إلى مسامعنا أنباء غير معلنة تفيد بأن الثورات العربية هي في حقيقتها مضادة لإيران. وأن الولايات المتحدة والناتو يريدان زعزعة النظام في هذا البلد للنيل منه ألا يبدو لكم أن هذا السيناريو معقد وغير منطقي . لأن الناتو في حملته على ليبيا بعيد كل البعد عن إيران. وإيران في هذه المرحلة لديها فرصة ذهبية لزيادة نفوذه وقوتها في المنطقة؟
ج - إيران تحتل مكانة خاصة في العالم الإسلامي، وهي عملياً الدولة الشيعية الوحيدة في المنطقة. بالطبع، أنتم على حق في أن التدخل في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا سوف يشغل الولايات المتحدة والناتو عن إيران، وذلك بالرغم من استمرار الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية الغربية لزعزعة الوضع السياسي الداخلي في إيران.
 س - فيما يتعلق بهذا السؤال القديم: ما لذي يجب أن تفعله روسيا ؟هل نقف وقفة المتفرج تجاه كل ما يجري في انتظار ما سيحدث، أم أن نحاول القيام بشئ ما ، مع الاعتماد على بعض الامكانيات المتوفرة واستخدامها عند الحاجة كتجاربنا السابقة ونفوذنا وعلاقات الصداقة حتى نتمكن من المشاركة في ادارة الأوضاع؟
ج - ما يجب أن تفعله روسيا هو دراسة وتحليل الأوضاع بشكل دقيق، والتصرف بناء على ذلك، وعدم اتخاذ مواقف متسرعة، أو مواقف حادة وعنيدة لصالح طرف على حساب الطرف الآخر. نحن لا نستطيع إيقاف التغيرات الجذرية الجارية في العالم العربي، لكن ذلك لا يستوجب التدخل في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، وأعتقد أن الخارجية الروسية تنتهج سياسة عقلانية تجاه كل مايجري. الاستنتاجات التي يجب أن نخرج بها هي أن علينا توخي الحذر و تجنب الوقوع في الخطأ، أو إظهار مواطن الضعف، إذا رغبنا بتطوير علاقاتنا الاقتصادية والسياسية والثقافية مع الغرب، لأن التاريخ القديم والحديث يؤكدان حقيقة، أن الغرب يستغل مكامن الضعف هذه بشكل وحشي، في علاقاته مع أية دولة.
(*) مدير المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق