رشيد خشانة - الدوحة : دعا الدكتور علي الصلابي، القيادي البارز في المجلس الوطني الانتقالي إلى تشكيل تجمُّـع وطني في ليبيا، ذي مرجعية إسلامية، يقود المرحلة الانتقالية.
وأوضح في حديث خاص لـ swissinfo.ch أنه لا يريد من الإسلاميين أن يتميَّـزوا عن بقية الفئات الوطنية، "لأن الشعب الليبي مُـسلم بفِـطرته وثقافته، والمرجعية الإسلامية، ثابت من ثوابته"، على حد تعبيره. وأكد صِـحة الوثيقة التي كانت بثَّـتها swissinfo.ch، مُتضمِّـنة خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية، التي ستَـلي الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي.
وأوضح في حديث خاص لـ swissinfo.ch أنه لا يريد من الإسلاميين أن يتميَّـزوا عن بقية الفئات الوطنية، "لأن الشعب الليبي مُـسلم بفِـطرته وثقافته، والمرجعية الإسلامية، ثابت من ثوابته"، على حد تعبيره. وأكد صِـحة الوثيقة التي كانت بثَّـتها swissinfo.ch، مُتضمِّـنة خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية، التي ستَـلي الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي.
وكان الصلابي، الذي سُجن على أيِـدي زبانية القذافي، قاد حوارات مع رُموز التيار السَّـلفي المسلَّـح في ليبيا قبل الثورة الحالية، وأقنعهم باعتماد تصحيحات أدّت إلى تخلِّـيهم عن العنف. فيما يلي نص الحوار.
ـ هناك تساؤُلات كثيرة في شأن التناقضات القائمة بين القِـوى، التي تسعى للإطاحة بالقذافي. إلى أيّ مدى تتوقَّـع أن تُؤثِّـر تلك التبايُـنات في مسار المرحلة الانتقالية؟
د. علي الصلابي: أنا شخصيا أؤمن بالدولة المدنية الحديثة التي تقوم على سُـلطة القانون واستِـقلال القضاء ودولة المؤسسات والتعدُّدية عن طريق الجمعيات والنقابات والأحزاب، وأؤمِـن أيضا بالحريات العامة وبالدولة الدستورية، التي تحترم أعرافنا وتقاليدنا وثقافتنا وديننا، دولة المواطنة، بمعنى المواطن الذي له حقوق وعليه واجبات بعيدا عن أية نَـزعة قبَـلية أو جهوية.
وإن كانت القبيلة في الواقع الليبي سِـياج اجتماعي له قُـدرة على حلِّ الكثير من المشاكل الاجتماعية، إلا أن دخولها المُعتَـرك السياسي، يُضعف الدولة المدنية الحديثة، وبالتالي، أطالب المثقَّـفين والنُّخب عموما، أن يكونوا دُعاة لقِـيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية والشورى، وأؤمن كذلك بالتَّـداول ....
كيف يمكن أن نضمن التداول الحقيقي في الحالة الليبية؟
د. علي الصلابي: من خلال الدستور ووعْـي الشعب الذي ثار ضد الاستبداد والظُّـلم والدكتاتورية، ومن خلال تنظيم الشعب عبْـر مؤسسات المجتمع المدني والحذر من أن يأتي جيش يستوْلي على السلطة، فالجيش ينبغي أن يكون وطنيا، وظيفته حماية الدولة والدستور والشعب، وليس قتله.
وكيف نضمن احترام قانون اللُّـعبة؟
د. علي الصلابي: لا حظْـر على الثقافة والفِـكر والبرامج، طالَـما احْـتُـرِمت ثوابِـت المجتمع الليبي. لدينا ثوابت واضحة، منها الإسلام كمرجعية للشعب، والوِحدة الوطنية وحق الشعب في اختيار مَـن يحكُـمه عبْـر انتخابات حرّة ونزيهة.
ومن خلال هذه الثوابت، يُـمكن أن نتحاور في الكثير من المشاكل، وأظن أن الشعب الليبي يؤمِـن بها ومَـن لا يؤمن بها، يشُـذ عن الإجماع، ومَـن يشذ عن إجماع الشعب الليبي، عليه أن يطرح أفكاره وآراءه كي يُناقشه الناس فيها، للوصول إلى قواسِـم مُـشتركة والبُعد كل البُـعد عن استخدام القوّة من أجل فَـرض الأفكار، فذاك عهْـد مضى وانقضى.
هل يصلح النموذج التركي لليبيا بعد التخلُّـص من القذافي؟
د. علي الصلابي: الشعب الليبي له خصوصيته. فهناك انسجام كبير بين الليبيين في الجانب الثقافي، وخاصة على صعيد الأعراف والتقاليد، وكذلك في الجانب الدِّيني. فليست لدينا مذاهِـب أو أقليات دينية. أما التجارب الإنسانية الحديثة، مثل التركية أو الماليزية أو الأوروبية، فهذا تراث إنساني يُـمكننا الاستفادة منه كل في مجاله: الثقافي والإداري والاقتصادي وهلُـمَّ جرّا.
في هذا الإطار، ما هي مقوِّمات بناء الديمقراطية في ليبيا؟
د. علي الصلابي: عندما نقول إننا نسعى لإقامة دولة مدنية حديثة، مرجعِـيتها مبادِئ الشريعة الإسلامية، كالعدل والمساواة والحرية والشورى، نستطيع أن نتجاوز كثيرا من المشاكل. ولم يكن الإسلام يوما ضدّ الإبداع أو الثقافة أو البناء أو التنمية، بل إن القيم الإسلامية تجعَـل من الحِـراك والبرامج السياسية، عِـبادة يُتقرَّب بها من الله.
لديك مآخذ على المجلس الوطني الانتقالي، مثلما أن هناك مآخذ للأطراف الليبية عموما على بعضها البعض. كيف تُـسيْـطرون على هذه الخلافات؟
د. علي الصلابي: هناك إجماعٌ وطني على ضرورة إسقاط القذافي وزوال النظام. وعلى أساس هذا الهدف المشترك، استطعنا أن نحل كثيرا من المشاكل وتمكَّـنا بالحوار والشورى، من أن نتجاوز جميع العَـقبات حتى الآن.
كنت مع السيد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي في زيارته الأخيرة إلى تركيا. ما التغيير الذي لمسته في الموقف التركي؟
د. علي الصلابي: هناك اليوم انحياز تام من الحكومة التركية لصالح الشعب الليبي في هذه المرحلة وللقِـيم التي يُـنادي بها الشعب الليبي، وكانت الزيارة ناجحة وحقَّـقت مكاسِـب للشعب الليبي، وخاصة اعتراف تركيا بالمجلس الوطني مُـمثِّـلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي، وهذا مكسب سياسي. وهناك مكاسب أخرى، سيراها الشعب على الأرض إن شاء الله. ونحن مع سياسة توازُن وانفِـتاح على الدول الشقيقة والصديقة، ولا نريد أن نعادي أحدا، لا من دول الجوار ولا من غيرها. لدينا قضية عادِلة وأهداف سامية نسعى لتحقيقها...
هل أنت موافق على خارطة الطريق التي قدَّمها المجلس الوطني للمرحلة الانتقالية؟
د. علي الصلابي: المجلس هو قيادة انتقالية مؤقَّـتة، وظيفتها تحريرية وإدارية لتسيير الأمور وإدارة البلاد في المناطق المُـحرَّرة. وهناك طبعا مناطق أخرى، مثل طرابلس وسِـرت ما زالت تحت سيطرة القذافي.
فالمجلس جاء إذن في ظروف استثنائية، وهو لا يعبِّـر عن إرادة حقيقية للشعب، وإنما تمَّ التوافق عليه وعلى قيادته، وبالتالي، فما يراه الكثير من الليبيين أنه بمجرّد تحرير العاصمة من سُـلطة القذافي، على المجلس الانتقالي أن يدعو إلى المؤتمر الوطني العام الذي ستُمثل فيه كل المدن الليبية والشعب الليبي بحسب الخارطة الجغرافية والسكانية ووِفقا لعدد السكان، ويجب أن يضمن التقسيم الإداري، العدالة والشفافية، كما ينبغي أن يصُـبّ قانون انتخابات المؤتمر الوطني العام في الاتجاه نفسه، مع المحافظة على معايير العدْل والشفافية وعدم الوِصاية على الشعب، حتى يقتنع بأن ممثِّـليه في المؤتمر الوطني العام، تمّ اختيارهم عن إرادة شعبية حقيقية. ومن خلال المؤتمر الوطني العام، تنبثق حكومة انتقالية.
تردّد أن التكنوقراط الذين عمِـلوا في ظل القذافي سينضَـمُّـون إلى تلك الحكومة، فهل هذا مقبول ومحسوم؟
د. علي الصلابي: ليست مشكلة. المُـهم أنه ليس من حق المجلس الوطني الانتقالي الحالي أن يُسمّـي أعضاء الحكومة الانتقالية، وإنما ينبغي أن يختار المؤتمر الوطني العام الحكومة الانتقالية، لأننا كلما ضمنَّـا التمثيلية، نكون قد ضمنَّـا الاستقرار. وستنبثق من المؤتمر الوطني، جمعية تأسيسية تضع مسودّة الدستور قبل الاستفتاء عليها. وتُحدّد الحكومة الانتقالية وقت الاستفتاء والانتخابات، إن كانت رئاسية أم برلمانية بحسب شكل النظام الذي سيُتَّـفق عليه. عندها، سيشعُـر الناس أنه لا وِصاية عليهم، وبهذه الآلية، سنتفادى الأوضاع التي نشأت في دُول الجوار.
التيار الإسلامي اليوم في ليبيا مُـوزَّع على تنظيمات عدة، كيف ترى دوره في المرحلة المقبلة؟
د. علي الصلابي: أنا مع فكرة اندماج التيار الإسلامي كجُـزء من النَّـسيج الوطني، وبالتالي، مع فكرة تجمُّـع وطني، ذي مرجعية إسلامية لخوْض المُـعترك الانتخابي. لا أريد من الإسلاميين أن يتميَّـزوا عن بقية الوطنيين. فالشعب الليبي مُـسلم بفِـطرته وثقافته، وهو أقرب إلى الشعوب المحافظة، ولذا، فالمرجعية الإسلامية ثابت من ثوابته.
هل تعتزم دعوة القوى الإسلامية إلى تكتل الصفوف؟
د. علي الصلابي: نحن ندْعو في إطار الأفكار، إلى تطوير مؤسسات المجتمع المدني المتعدِّدة، إن كانت خاصة بالطفل أم المرأة، فليس كل المجتمع له رغبة في خوْض المُـعترك السياسي. فمَـن يرغب في هذا المُـعترك ويملِـك أفكارا وبرامج، يمكن أن ينضَـوي كفرد. وبعد ذلك، يكون هناك مؤتمر عام للتجمُّـع الوطني يختار خلاله القيادة التي يراها من خلال الأهداف والرُّؤية التي يضعها المؤتمر الوطني. ولا أمانع من تعدُّد الأحزاب ما دامت تحترم الثوابت والهوية والدستور.
بماذا ردُّوا على دعوتك هذه؟
د. علي الصلابي: لاقَـت قَـبولا من التيارات الوطنية والإسلامية، والفِـكرة مرنة وواسعة. فهي تُـعطي مجالا وفرصة لمَـن عمِـل في الماضي في مناصب هامة لكي ينضوي في هذا التجمع، إذا لم يتورَّط في جرائم القتل أو الفساد العام. والأبواب ستكون مفتوحة أمام الجميع للوصول إلى المناصب القيادية لخِـدمة الشعب والوطن.
المصدر: سويس إنفو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق