الثلاثاء، 31 مايو 2011

بضـــاعة أردوغــان .. الــدور التــركي المقبل

ساطع راجي: تحول رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى ايقونة للسياسة التركية الراهنة، وهي ايقونة تريد أولا إثبات قدرة الاسلام السياسي على الحياة في بيئة ديمقراطية والالتزام باشتراطات هذه البيئة بما يقدم نموذجا عن إسلام سياسي معتدل، 
وتريد هذه الايقونة ثانيا تسويق دور تركي أكبر في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ومناطق أخرى ملتهبة بأزمات مزمنة، وبشكل ما أصبحت تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية محط اهتمام ومركزا يجذب الأنظار، وفي كل الأحوال تحاول تركيا أن تسوق نفسها كلاعب مهم في السياسة الدولية.
تدخل تركيا الى السياسة الدولية منذ عقود عبر منفذين، الأول دورها في الناتو، والثاني عبر علاقاتها الأوروبية، أما في هذه المرحلة فهي تريد لروابطها الدينية والقومية أن تكون منفذا ثالثا، لكن سياسة تركيا الخارجية بقيت دائما تتحرك داخل إطار الناتو قريبة من الصف الأميركي معظم الأحيان وتتحرك أيضا داخل إطار ضيق في الاتحاد الأوروبي الذي لم يقبل بعضويتها بعد.
ويدرك حزب العدالة والتنمية ان محاولات تركيا العلمانية الدخول في الاتحاد الأوروبي والتنازلات الحقوقية التي قدمتها تركيا في الداخل من أجل الانضمام لأوروبا هي التي سمحت لحزب إسلامي (معتدل) بالوصول الى السلطة والبقاء فيها محميا من انقلابات العسكر الذين تؤثر فيهم أيضا التوجهات الأميركية التي يبدو انها اكتشفت في وجود حزب العدالة والتنمية مصلحة لها في المنطقة مع تجاوز بعض التفاصيل مثل رفض التعاون في حرب العراق عام 2003، ويعبر وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في مقالة نشرتها مؤخرا مجلة الفورن بوليسي الأميركية عن جوهر السياسة الخارجية التركية بالقول ان (القضية الأكثر أهمية بالنسبة للدبلوماسية التركية هي خلق الانسجام بين محاور القوة المؤثرة بها وبين المناخ الدولي الجديد)، وهنا إشارة الى أن صعود العمل الخارجي التركي هو استجابة لمحاور القوة، ويستشهد أوغلو تحديدا بدور تركيا في أفغانستان، ليمنح بذلك مثالا عن عمل السياسة التركية التي يريد أوغلو ومعه حزب العدالة والتنمية ان ينقلها من دور الجناح الى دور مركزي في الناتو، وبالتالي فإن السياسة التركية الراهنة هي الى حد بعيد تطوير لدور تركيا في الناتو ولأن المعركة أو المعارك المهمة التي يخوضها الناتو تقع ضمن البلدان الإسلامية وفي الشرق الأوسط فمن الطبيعي ان تحتل تركيا (العضو المسلم الوحيد في الناتو) موقعا متقدما في اي عمل يقوم به الناتو في هذه المنطقة، وعندما أرادت تركيا في حالات محدودة تبنّي خط خاص بها يبتعد عن الناتو سرعان ما وجدت نفسها في ورطة تدفعها الى محاولة التراجع وبصيغة متطرفة كما حدث في الموضوع الليبي الذي بدا للساسة الترك درسا قاسيا انعكس بالتصريحات التي أطلقها أردوغان عندما نصح القذافي علنا بالتنحي والمساعدات التركية للثوار الليبيين وايضا انعكس الأمر على الموقف التركي القوي من الاحتجاجات السورية، فقد تبنى أردوغان موقفا صلبا من أقرب أصدقائه العرب (بشار الأسد) طاويا بسرعة صفحة العلاقات الجيدة، وبرر أردوغان ذلك بالتلميح الى القضية الكردية من بعيد حيث لاتريد تركيا ان تصحو على اقليم كردستان آخر في سوريا بعدما ضغطت على نفسها كثيرا للتعامل مع حقيقة وجود كردستان العراق، وهنا تحديدا نقطة ضعف تركيا في سياستها الداخلية والخارجية على السواء، ذلك ان تنازلات تركيا العلمانية القومية من أجل الدخول الى الفردوس الأوروبي لم ينتفع منه حزب العدالة والتنمية الإسلامي فقط بل انتفع منه أيضا أكراد تركيا، واذا كان حزب العمال الكردستاني يصنف على أنه منظمة إرهابية فإن أكراد تركيا فتحوا نوافذ سياسية عديدة تمكنهم من دخول حلبة السياسة التركية، ورغم كل حديث أردوغان وحزبه عن محاولات حل القضية الكردية في تركيا ورغم كل المبادرات الشكلية ذات الطابع الثقافي والإعلامي والإنساني حتى، تبقى تركيا أردوغان عاجزة عن التعامل الحقيقي مع القضية الكردية، وقد مرت سنوات على أحاديث أردوغان المتكررة عن حل القضية الكردية والاعتراف بكامل حقوق الأكراد القومية والسياسية والثقافية، لكن النتيجة لكل ذلك هي لاشيء، وكما تجري حراكات واعتصامات جماهيرية في البلدان العربية ضد النظم الحاكمة هناك في تركيا احتجاجات وحركات مماثلة قد يبدو الإعلام العربي منشغلا عنها لكن ذلك لا يعني عدم وجودها، بل ان الحكومة التركية حاولت اجتثاث مرشحين أكراد ومنعهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في حزيران المقبل وهو الأمر الذي قاد الى مظاهرات واحتجاجات كبيرة في ديار بكر أدت الى مصادمات أسفرت عن سقوط ضحايا، إذن هناك داخل مرتبك يسهم جزئيا في عرقلة طموح توسيع السياسة الخارجية التركية، لكن هل توسيع الدور التركي هو هدف تركي؟، يقول احمد داود اوغلو وزير الخارجية التركي في المقالة التي أشرنا اليها إن (تركيا ستبقى ملتزمة بإنشاء التناسق بين حلفائها الاستراتيجيين وبين الدول المجاورة لها) وقبل ذلك يقول أوغلو (تواجه تركيا ضغوطا لتلعب دورا إقليميا أكثر أهمية، ما أدى إلى ظهور توترات بين حلفائها الاستراتيجيين وبين بروز مسؤولياتها الإقليمية)، ولا يقول لنا أوغلو ما هي الضغوط التي تدفع بلاده للعب دور إقليمي ولا يتحدث عن سقف الالتزام الذي ستتحرك تحته تركيا للتنسيق بين حلفائها الاستراتيجيين (الغرب) والدول المجاورة لها، هناك احتمالان لمبررات الدور التركي الإقليمي مثل أي دور إقليمي تقوم به دولة ما، فاما ان تركيا تقوم بدورها هذا بهدف تحقيق مصالح داخلية، او استجابة لرغبة دولة كبرى.
تركيا ليس لديها الكثير مما تحاول تسويقه خارجيا، مشاريعها الاقتصادية هي من النوع الآسيوي الذي لا يحتاج الى مظلة سياسية سميكة، وليس هناك خطر إقليمي يهدد تركيا، وتركيا لا تحمل راية ايديولوجية تريد لها ان ترفرف في بقاع العالم المختلفة، ولذلك نرجح الدافع الثاني، اي ان الدور الإقليمي لتركيا هو جزء من استحقاق الشراكة الاستراتيجية التركية الغربية وهي شراكة ضامنة لاستقرار داخلي سواء بمنع الانقلابات او بمنع الانفصال الكردي، ويبدو وجود حزب إسلامي معتدل في السلطة بتركيا مهماً من عدة جوانب، في مقدمتها انه سيكون عاملا مشتركا بين الناتو والاتحاد الاوربي من جهة والدول العربية والاسلامية من جهة أخرى، لكننا يجب ان لاننظر الى تركيا على انها مخلب قط غربي في المنطقة فهي في كل الاحوال جزء من نسيج هذه المنطقة لكن هذه الجزئية لا تبرر بالضرورة الدور الكبير الذي تحاول تركيا ان تلعبه.
تركيا أردوغان تمثل من جهة وجها معتدلا للاسلام السياسي وايضا وبالاخص الاسلام السياسي السني الذي يحتاجه الغرب للتخلص اولا من الزعامة السعودية التقليدية التي اصبحت مضرة بعدما انتجت مكائنها تيارات سلفية متطرفة شكلت مركزا لظاهرة الارهاب في المنطقة وليكون الدور التركي ايضا المعادل الحقيقي للدور الايراني بعدما فشلت دول الخليج العربية في القيام بهذا الدور، فعودة تركيا الى «هويتها الاسلامية» ستعني ضمنا الدور التركي في زعامة الاسلام السني وهو ما يؤكده أوغلو في المقالة نفسها حينما تحدث عن جهود تركيا لدفع سنة العراق للمشاركة في العملية السياسية وأيضا ذلك الدور الذي حاول اردوغان القيام به في أزمة البحرين حينما زار العراق والتقى بالمرجع السيستاني، اراد اردوغان ان يسحب ملف الازمة من أيادي ايران ودول الخليج العربية على السواء، وان يجعلها بين زعيم الشيعة (السيستاني) وزعيم السنة (أردوغان)، وبذلك تمكن من توجيه ضربة قوية لايران والسعودية، لكن لا احد يعلم بما دار بين الرجلين لكن مشروع الوساطة الذي اشيع لم يتحقق منه شيء بل التزم الجانبان بعد ذلك الصمت تجاه القضية، ودور تركيا المقترح كمعادل او بديل للدور الايراني سعى للتوغل في لبنان وفلسطين ايضا.
مشكلة السياسة الخارجية التركية في منطقة الشرق الاوسط انها تكاد ان تعتمد كليا على القوة الناعمة (تجارة، اعلام، دبلوماسية)، وهي سياسة كفيلة بحصول اردوغان على التصفيق العربي والاسلامي كما حدث بعد حادثة منتدى دافوس عندما غادر أردوغان المنصة احتجاجاً على عدم اعطائه الوقت الكافي للرد على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بشأن الحرب على غزة وكما حصل بعد حادثة اسطول الحرية وبهذه السياسة نجح اردوغان في الحصول على جائزة القذافي لحقوق الانسان وجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام!! لكن لا اكثر من ذلك لأن القوة الناعمة تحقق نتائج ناعمة، بينما الادوار الخارجية الحقيقية في الشرق الاوسط القاسي والمعقد تتطلب مالا ورجالا وأسلحة وتنظيمات، وهو ما فعلته كل النظم التي أرادت القيام بمهمات وادوار صعبة لتحقيق نتائج كبيرة في الشرق الاوسط، فعلت ذلك دول المنطقة التي تبحث عن الزعامة كما فعلتها دول الكتلتين الغربية والشرقية، وكما تفعل اليوم السعودية وايران وسوريا واسرائيل والولايات المتحدة واذا ارادت تركيا الانضمام الى هؤلاء اللاعبين عليها ممارسة اللعبة وفق شرطها وبنفس التضحيات اما ارتداء القفازات والكلام الناعم فهو جزء من صفات العمل الصيرفي الذي امتهنه عبدالله غول خلال الفترة من 83-1991 في بنك التنمية الإسلامي بجدة كخبير اقتصادي ويبدو انه انتقل الى اردوغان بفعل الرفقة.
التمكن من فنون الكلام جزء أساسي من صفات العمل السياسي الاسلامي، لكن لا نفع لهذه الفنون عندما لا يريد السياسي تلطيخ يديه بالعمل الحقيقي، لذلك تبدو بضاعة اردوغان الكلامية بضاعة كاسدة في المنطقة، وتحديدا في الشرق الاوسط فالناس سيصفقون دائما للكلام الذي يعزف على اوتار قلوبهم وأمانيهم لكنهم ايضا سينتظرون الافعال والناس في الشرق الاوسط بعامة وفي البلدان العربية بخاصة، سأموا اللعب بالكلام وسأموا الحركات الاستعراضية على منصات المؤتمرات او عمليات خرق الحظر بسفن يركبها اناس صادقون في عواطفهم او تسيطر عليهم الحماسة، هل نحن بحاجة الى استذكار اسماء الحكام العرب الذين استهلكوا كما هائلا من هذه الاستعراضات؟، المسألة مسألة وقت قبل ان يطالب الناس اردوغان بأفعال وقد تساعد اردوغان براعته الاعلامية لكن الحاجة الى نتائج واقعية ستبقى قائمة.
يفخر اوغلو بأن تقارير الاتحاد الاوربي حول مدى احراز التقدم في العلاقات بين الطرفين، تشير الى  ان «اهداف السياسة الخارجية التركية على وفاق تام مع مثيلتها للاتحاد (الاوربي)  وهي اشارة واضحة إلى ان توجهات تلك السياسة تتطابق بصورة ممتازة مع اهداف الناتو».
 وعلى هذا الاساس يمكن القول ان تركيا أردوغان تعرض في الشرق الاوسط بضاعة تريد بيعها للولايات المتحدة واوروبا، وان كل ما قامت به تركيا حتى الان في سياستها الشرق اوسطية هو تقديم عروض عن خدماتها الممكنة في ازمات المنطقة سواء في العراق او ايران او القضية الفلسطينية او في لبنان او سوريا او ليبيا او غيرها من الازمات الصاعدة نتيجة الاطاحة بالنظم.
دور تركيا يمكن ان يكون جوهريا مع توقعات بصعود الاسلاميين كبدلاء عن الانظمة المنهارة ويبدو ان الغرب سلم بحقيقة هذا الصعود لكنه يريده مخففا قريبا من النموذج التركي، اسلام سياسي معتدل ديمقراطي متعاون مع الغرب لا يسعى لفرض الشريعة على طريقة طالبان او ايران لكن هذه المهمة تتطلب من تركيا الكثير من الجرأة والتضحيات بينما سيتحمل الغرب كلفتها المالية.
لو تجرأت انقرة على القيام بهذه الخطوة ونجحت فيها فإنها ستكون فعلا طرفا اساسيا في العــلاقات الدولية حيث ستلعب في العديد من عواصم المنطقة بحرية كاملة على ما تبقى من دول ممزقة بالصراعات الحزبية والاثنية والطائفية تبدو معها تركيا املا منقذا للشعوب حتى وان كانت تركيا حلا غربيا صنعتـــه اوربا والناتو لأزمة الاسلام السياسي، لكن هل ستتحمل تركيا اردوغان ثمن هذا الدور.

المصدر: الفيحاء 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق