الأحد، 24 أبريل 2011

طبيب في مصراتة فقد أطفاله الأربعة.. لكنه يواصل عمله لإنقاذ الآخرين

يحتفظ بالسيارة البيضاء مغطاة بدماء أطفاله.. ويأمل في أن يتمكن شخص ما من التحقيق في جرائم القذافي
مصراتة: ليلى فاضل / يتنقل الطبيب علي أبو فناس بين المصابين الذين جاءت بهم الشاحنات وسيارات الإسعاف والسيارات المدنية إلى مستشفى الحكمة، حيث يعمل الطبيب ذو الواحد والخمسين عاما على مداواة جروح الآخرين، علّه ينسى بمداواة آلام الآخرين ألمه الذي يعتصر قلبه.

 
فقد أبو فناس أبناءه الأربعة في مصراتة، حيث يتعرض المدنيون لقصف بالمدافع والصواريخ وقذائف المورتر والرصاص من قبل قوات العقيد القذافي، في محاولة لاستعادة السيطرة على المدينة من المتمردين، وكانوا من بين أكثر من 1000 شخص يعتقد الأطباء أنهم قتلوا خلال حصار المدينة الذي تواصل لشهرين.

في الحادي والعشرين من مارس (آذار)، الذي يوافق عيد الأم في العالم العربي، توسلت لطفية علي لزوجها أن يأخذ الأسرة إلى منزل والديها لزيارتهما. ودفعه الملل والإرهاق من الإقامة في المنزل مع أربعة من الأطفال لأسابيع متواصلة على الموافقة. صعد الأطفال الأربعة؛ سالم (15 عاما)، حواء (11 عاما)، فاطمة (7 أعوام)، وآدم (3 سنوات)، إلى المقعد الخلفي من السيارة. في منتصف الطريق وجدوا أنفسهم عالقين في منتصف المعركة، والرصاص ينهمر في الشارع.

صرخ أبو فناس في زوجته وأبنائه «اخفضوا رؤوسكم»، ولكن ما إن انحنوا حتى شعروا بانفجار ضخم. فجأة امتلأ جانب وجهه بدماء شخص ما. استدار أبو فناس ليجد أبناءه وقد تحولوا إلى أشلاء مختلطة، بالكاد استطاع أن يتعرف على اثنين منهم.

ويستدعي أبو فناس إلى ذاكرته ما حدث بالقول: «كانوا كما لو أنهم قد امتزجوا سويا». صرخت زوجته تنادي على أبنائها، لكنه طلب منها أن لا تنظر إلى الخلف، وعلى الفور سحبهم جنود القذافي من السيارة، وزوجته تواصل الصراخ وهي تنادي على أبنائها.

صرخ فيها الجنود: «أغلقي فمك»، وطلب منها زوجها أن تظل صامتة. وقال أبو فناس: «كنت قلقا من أن يعتقلوها ويصيبوها بسوء». تم اعتقال أبو فناس وزوجته لعدة ساعات في مرحاض عام، ثم اقتيدا إلى مكان غير معلوم قبل أن يطلق سراحهما، وأمروهما بأن يجريا إلى منزل مجاور. طرق أبو فناس على باب المنزل، وما إن سمح له مالكه بالدخول، حتى طلب منه المساعدة في إخراج الأطفال من السيارة ونقلهم إلى المستشفى.

وأضاف: «لم أكن أتخيل أن أتركهم بمفردهم في الشارع. كنت أعلم أنهم ماتوا». بعد أسبوع عاد إلى عمله.

وقال أبو فناس وسيارة الإسعاف تهرع إلى مكان الوقوف: «أنا أعلم أنه إذا قتل القذافي أبنائي فهو يقتل أبناء الآخرين. ماذا يمكنني أن أفعل سوى العمل؟ لو أنهم مكثوا في المنزل شهرا أو أسبوعا أو عاما آخر، ما كان ذلك ليعيدهم.

يبدو أبو فناس متماسكا لكنه كان هشا. وعندما تحدث بشأن عائلته، تحمر عيناه من الدموع وهو يتذكر حواء وهي تجري كي تعانقه عندما يعود من عمله، أو سالم وهو يتحدث عن أحلامه في أن يصبح طبيبا مثله. لم يعد فناس وزوجته إلى منزلهما حيث عاشا. ولا يمكنهما تحمل النظر إلى الملابس واللعب الخاصة بالأولاد الذين فقدوهم. وعندما ينتهي القتال سينتقلان إلى المنزل الجديد الذي يبنيانه.

ويقول والدموع تنهمر على وجهه: «لقد مات أطفالي، أنا أعلم ذلك. لكني ما إن أغلق عيني أراهم». وحتى إن أسقط القذافي، وتحولت ليبيا إلى ديمقراطية كما رغب الثوار، فلن أتمكن من رؤية أبنائي مرة أخرى.

في الأيام التي يأتي فيها أطفال جرحى إلى المستشفى، يتذكر ذلك اليوم الذي فقد فيه أبناءه. وخلال الأسبوع الماضي أحضر ثلاثة أطفال إلى المستشفى بإصابات بأعيرة نارية وآخر مصاب بشظية من قذيفة مدفعية.

ويقول أبو فناس: «أنا أراهم وأتذكرهم. لقد رأيت الكثير من الأطفال الذين قتلهم القذافي».

سحب هاتفه الجوال، وعرض صورة فاطمة وحواء وهما ترسمان علم الثوار على وجهيهما. يحمل فناس في جيبه شظية ملفوفة في قطعة من القماش كتذكار. ويحتفظ بالسيارة البيضاء مغطاة بدماء أطفاله في منزله أصهاره. ويأمل في أن يتمكن شخص ما من التحقيق في جرائم القذافي.

وقال: «أود أن يقتل أحدهم القذافي وعائلته في باب العزيزية. كنت سأتخلص من السيارة، لكن عندما تنتهي الحرب، ربما تأتي لجنة للتحقيق في الجرائم وترى ما حدث، وسوف أعرضها عليهم».

المصدر: الشرق الأوسط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق