السبت، 9 أبريل 2011

بين امكانية حكم ليبيا واستحالة حكم شعبها.. هل انتهى القذافي؟

رامي أبو جبارة: ربما أسعفني نشاطي في الأونة الاخيرة، الذي تضمن وجودي في دولتين خلال فترة ما بعد تدخل قوات التحالف في ليبيا، ولقائي هناك بالعديد من الشخصيات والناشطين المهتمين بالشؤون السياسية في الوطن العربي، أن اشكل فكرة أوسع عن آراء المراقبين بخصوص هذا التدخل وقرار مجلس الأمن رقم 1973.

يبدو أن غالبية المراقبين الحريصين على مصلحة ليبيا، يتخوفون مما يسمونه بالتدخل الأجنبي فيها، وقد تعدى هذا الهاجس مرحلة الخوف عند البعض ليصبح رفضا قاطعا، وذلك لعدة عوامل أهمها معرفتنا المسبقة بالطبيعة الاستعمارية والنزعة الاستغلالية القائمة عليها أنظمة الدول المشاركة في هذا التحالف، لاسيما وقد عاصر العديد منا ممارساتها السابقة في نفس هذا السياق في عدة أقطار عربية وأخرى غير عربية. ولكن ورغم ذلك هناك شبه اجماع على أن هذا التدخل له بعض الايجابيات في حماية المدنيين إلى حد ما، وتدمير جزء - قد يكون كبيرا- من آلة القتل التي كان يمتلكها القذافي، وان كان بامكان هذا التدخل أن يكسب المزيد من الشرعية والمشروعية، عبر اقتصاره على دول أخرى أو على الأقل اعطاء القيادة لدول يستطيع الشارع العربي الوثوق بها، بالاضافة إلى تنفيذه ضمن آليات أكثر شفافية، من خلال مراقبة ليبية أو عربية جدية، والتنسيق الكامل مع الثوار الليبيين وغيرها من آليات التنفيذ.

ولكن وبكل أسف، سلبيات التدخل بدأت تتعاظم وتتكشف شيئا فشيئا، حيث يبدو أن التحالف يتعمد اطالة العمليات وعمر الصراع، فيكشف الغطاء الجوي عن الثوار تارة ويعود لتوفيره لهم تارة أخرى، بالاضافة إلى ضرب مواقع دون أخرى، رغم أن بعض المواقع التي لم تضرب بعد تقصف المدنيين جهارا نهارا، مثل المليشيات التي تدك مصراتة والزنتان منذ أكثر من أسبوعين. أما السؤال المهم في هذا المقام فهو إن كان تدخل قوات التحالف لصالح المدنيين أم لصالح دول التحالف؟

 رغم أهمية هذا الموضوع إلا أنني في الحقيقة ليس هذا السؤال تحديدا ما أود الاجابة عنه، وذلك لأن الشعب الذي انتفض وقدم هذه التضحيات الجسام، لن يفرط بها لصالح غيره على الاطلاق. ولكنني أرى أن هذه المقدمة ضرورية للإجابة على الأسئلة الأهم، وهي أسئلة باتت تقض مضاجع كل صاحب ضمير حي في هذا العالم، وتتقلب على جمرها الشعوب العربية، وخصوصا الشعب الليبي، وتتلخص بالتالي: هل انتهى القذافي؟ وكيف يستطيع الثوار إنهاء نظامه؟ هل باستطاعتهم المراهنة على الدعم الدولي؟

 يسري في هذه الأيام، بعد تراجع الثوار الأخير من مدن الشرق الليبي، احباط شديد بين مناصري الثورة الليبية - وما أكثرهم - وقد سادت حالة من السلبية حول احتمالية اجهاز الثوار على القذافي وقدرتهم على ذلك. ومما ساهم في توليد هذا الاحباط، الرؤية السياسية والاستراتيجية القاصرة للمعارضة الليبية، سواء في الداخل أو في الخارج بتميزها بالعاطفية وابتعادها عن التحليل الواقعي الرصين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، خروج المعارضين الليبين يوميا على القنوات الفضائية مهللين بأن النصر بات قريبا، وان وصول الثوار إلى سرت وطرابلس سيتحقق خلال الأيام القليلة القادمة، وغيرها من الممارسات والتصريحات التي تعتمد على الهاب حماسة الجماهير وتعبئتها، له أثر سلبي كبير عند أول تراجع للثوار، ويكون الانكسار حينها أشد مضاضة.

 على أية حال، وأنا هنا لست بصدد تعبئة الجماهير، كما أنني لست بصدد الكتابة من أجل رفع المعنويات والمواساة فقط، ولكن أستطيع الجزم من قراءة الواقع السياسي وحتى العسكري بأن القذافي قد انتهى فعليا، ولم يعد باستطاعته العودة إلى حكم الشعب الليبي لعدة أسباب، حتى لو حافظ على حكم ليبيا في أسوأ تقدير.

 أول هذه الأسباب وأهمها، هو الرفض الشعبي له بسبب ارتكابه كل أنواع المجازر المروعة ضد أبناء شعبه. وهذه المرجعية الشعبية هي ما يجب على الثوار أن يعولوا عليه تحديدا، وليس على الغطاء الجوي والقوى الخارجية. فالمنطق يقول انه حتى لو فرضنا في أسوأ الاحوال، أن القذافي تمكن من استعادة السيطرة على كل المدن الليبية، سيلجأ الثوار من دون أدنى شك إلى حرب العصابات والشوارع، مما سيمكنهم من الوصول إلى العاصمة طرابلس، ونقل المواجهة إلى عقر دار القذافي. وحينها لن يتمكن القذافي من الصمود في وجه مثل هذا النوع من الحروب، لأن دعم الأهالي والسكان للثوار كبير ونقمتهم على القذافي أكبر، مما يسهل التحاق عموم الشعب بالثورة، ويصعب مهمة كتائب القذافي في تعقبهم. واجمالا، كما هو معروف أن أي حرب عصابات قادرة على استنزاف أعتى الجيوش النظامية المنظمة، فما بالك بمجموعات من المرتزقة، هذا بالإضافة إلى أن كتائب القذافي النظامية لا تعرف شوارع المدن الليبية لأن جلها من الأجانب، مما سيقلل من فاعليتها في حرب الشوارع بشكل كبير. كما أنه لن يكون باستطاعته تمويل حربه ضد شعبه طويلا. وباعتقادي أن على الثوار اللجوء إلى حرب العصابات هذه ابتداء من الآن في سرت وطرابلس، لأن من شأنها أن تزعزع الاستقرار العسكري الذي ينعم به القذافي في تلك المناطق، عبر اشراك المزيد من المعارضين في الثورة واعطائها المزيد من الزخم الجماهيري، بالاضافة إلى تشكيلها خط دفاع متقدما عن المدن الليبية الأخرى وقوات الثوار النظامية.

أما ثاني هذه الأسباب فيتلخص في حقيقة أن القذافي لن يتمكن من اخفاء الجرائم والمجازر التي ارتكبها، والتي ستضعه في مواجهة مع أصحاب الضمير الحي في جميع أنحاء العالم، وما سيترتب عليها من ملاحقات قضائية.

 ثالثا، إن جزءا كبيرا من عقد اسرار هذا الطاغية قد انفرط، وخصوصا المتعلق في استهدافه للمدنيين الغربيين سابقا مثل لوكربي والطائرة الفرنسية والشرطية البريطانية والملهى الألماني، مما سيجعله أسيرا لعزلة دولية خانقة، لأن الحكومات الغربية تحديدا لن تستطيع العودة إلى التعامل معه، لأن ذلك سيضعها في مواجهة شعوبها. كما أن بقية المجتمع الدولي، غير مستعد للتعامل مع ديكتاتور قتل شعبه بكل وحشية، وارتكب أفظع المجازر.

 وأخيرا، تصدُع نظام القذافي بتخلي أعمدة نظامه عنه، جعله هشا وضعيفا إلى درجة لن يتمكن اطلاقا من رأب هذا الصدع على المستوى السياسي والدبلوماسي والاجتماعي، حتى لو تمكن من رأب هذا الصدع على الصعيد العسكري.

 لهذه الأسباب نستطيع الجزم بأن نظام القذافي قد انتهى، وان كنا نتمنى أن يحتوي الثوار الموقف بالاجهاز عليه بأسرع وقت، تجنبا لإراقة المزيد من الدماء، ولكن لا يجب أن نسمح لليأس بالتسلل الى نفوسنا لو جرت الأمور عكس ذلك. وأقول لكم ان جميع المعطيات على الأرض تصب لصالح الشعب الليبي، وان انتصار هذه الثورة المظفرة مسألة وقت ليس إلا، ولكن ذلك لن يتم إلا بمراهنة الثوار على شعبهم الأصيل وليس على الأجنبي الدخيل.

  * كاتب عربي

 المصدر صحيفة القدس العربي اللندنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق