السبت، 9 أبريل 2011

الخوف على ليبيا

علي العنزي*: لم يترك القذافي مجالاً لأحد كي يقف معه ويسانده، أو على الأقل يقف على الحياد، فجميع تصرفاته، ومنذ توليه السلطة عام 1969، تنم عن شخصية متقلبة،
لا تهتم بردود الأفعال نتيجة تصرفاتها الرعناء، و لا تسمع لصوت أو نصيحة أحد، تصدق أكاذيبها، أو ما يكذب عليها، تعيش خارج الواقع، فلا غرابة أن تصل الأمور بليبيا الشقيقة وشعبها إلى ما وصلت إليه الآن، من قتل وتدمير وتدخل خارجي وتفكك داخلي، نسأل الله أن يفك كربتها ويعيدها إلى الاستقرار والأمن والطمأنينة.

 لقد وصلت الأمور في ليبيا إلى نقطة حرجة جداً، فالعقيد القذافي مصر على جر ليبيا وشعبها إلى أتون حرب نتائجها لا تزال غير واضحة، وبدأ يتوحش في القتال لعلمه أن ليس له مخرج إلا المحاكمة الدولية أو داخل ليبيا، أو القتل سواء من الثوار أو الغرب، أو من خلال الاغتيال من أحد المقربين له، ولذلك سوف يقاتل ما دام هناك مقاتلون يأتمرون بأوامره وأوامر أعوانه، على رغم أن نظامه بدأ يتآكل ويضعف بعد هروب عدد من المقربين منه، ما يدل على أن تفكك النظام بات مسألة وقت. والسؤال المطروح هو: ما الذي دفع العقيد القذافي إلى هذا التصرف والإدارة السيئة للأزمة؟ الجواب هو:

 أولاً: لم يقرأ القذافي المتغيرات السياسية والاجتماعية بشكل صحيح، واعتمد على علاقاته الاقتصادية مع الغرب، خصوصاً إيطاليا وفرنسا اللتين زارهما، بعد رفع العقوبات عن ليبيا، واعتقد أن الغرب سوف يقف إلى جانبه نظراً للمصالح الاقتصادية الكبيرة وعقود التسلح معه. كما أن العلاقات مع الولايات المتحدة كانت جيدة اقتصادياً وسياسياً، وأمنياً، والشاهد هو استقبال وزيرة الخارجية الأميركية لابنه المعتصم مستشاره للشؤون الأمنية.

 ثانياً: لم يُعِد الجيش الليبي لحماية الوطن، فأضعفه تسليحاً وتدريباً وولاءً، واعتمد على كتائب أمنية مدربة على مقاومة الحركات الشعبية وحماية النظام لا حماية الوطن، ولذلك لم يستطع أن ينهي الثورة الاحتجاجية خلال الأسبوعين الأولين، على رغم ضعف الثوار، وعدم بروز موقف دولي مناهض بشكل قوي، ولذلك عندما احتاج الجيش لم يجده.

 ثالثاً: الخطاب الإعلامي للقذافي أساء له ولم يكن جيداً، سواء الموجه للداخل والموجه للخارج، وهو ما ينم عن افتقاره لخبرة إدارة أزمات بهذا الحجم والقوة والمتغيرات المتعلقة بها، إذ سهل خطابه الإعلامي التشنجي والهستيري، وتهجمه على مواطنيه وتشبيههم بـ «الجرذان»، على معارضيه إقناع الرأي العام العالمي بالوقوف ضده ورحيله.

 أما بالنسبة للثوار في ليبيا والمجلس الوطني فهم لا يزالون ضعيفي التدريب والتسليح والتنظيم، وكذلك يعتقد الكثير من الخبراء والمحللين أن المعارضة الليبية لم تكن مهيأة لما حدث في ليبيا، فيبدو أن الأمور بدأت على شكل احتجاجات ثم تطورت بسرعة للتحول إلى معارضة تطالب برحيل النظام، يقودها وزراء انشقوا في بداية الثورة، وأعداد من المتطوعين حملوا السلاح في وجه النظام بعشوائية، ومن دون تخطيط وقيادة عسكرية، ولذلك شاهدنا كيف أنهم استولوا على الكثير من المدن ما لبثوا أن خسروها بسرعة، حتى تدخلت القوى الغربية وأوقفت تقدم قوات القذافي، بل رجحت الكفة في كثير من الأوقات، ولكن لا تزال قيادة الثوار تعتمد على الدعم الغربي، وتفتقر إلى القيادة المنظمة والتسليح القوي، حتى بعد تعيين رئيس أركان لها من المجلس الانتقالي الليبي.

 ما يخص القوى الخارجية، خصوصاً الغربية منها، فقد تدخلت لحماية الشعب الليبي من خلال فرض حظر على الطيران الليبي وعلى الأجواء الليبية، تطور إلى ضرب البنية العسكرية للعقيد القذافي، خصوصاً الجوية والدفاع الجوي، بقيادة أميركية مترددة في البداية، ما لبثت أن انسحبت وسلمت القيادة إلى حلف الناتو، مع مشاركة عربية وإسلامية محدودة ورمزية، والتردد الأميركي سببه أوضاع داخلية في الولايات المتحدة، كالانتخابات الرئاسية، وعقدتي العراق وأفغانستان، فلا يريد الرئيس أوباما أن يبدأ حملته الانتخابية بدخول الولايات المتحدة الأميركية في حرب جديدة، وهو الذي وعد بإنهاء حربي العراق وأفغانستان، ولذلك رأينا التردد الأميركي والانسحاب من قيادة العمليات العسكرية وتركها للناتو وللدول الأوروبية.

 لا يختلف اثنان على دموية نظام القذافي وتسلطيته وانعزاليته وبعده عن الواقع، وتفريطه بمقدرات الشعب الليبي لإشباع رغباته في التدخلات الخارجية وتمويل الحركات الانفصالية والثورات في أي مكان في العالم، ولذلك الخلاص منه هو مطلب شعبي ليبي ولمصلحة استقرار المنطقة، لكن لا نريد لليبيا أن تدخل في نفق مظلم يكون أسوأ مما كانت عليه في عهد القذافي، وتبدأ حرب أهلية وتقاسم مناطق القتال في ليبيا بين الشرق الليبي والغرب، تكون مقدمة لتقسيمها، وتعيد للأذهان الاحتلال الإيطالي، ولذلك يجب أن تكون الأهداف العربية والليبية هي لا للتقسيم، ولا للحرب الأهلية، ولا للمشاريع الخارجية التي تستهدف ليبيا ومقدرات شعبها.

 لقد أظهرت أزمة ليبيا مدى إفلاس النظام العربي وانكشافه، ممثلاً في جامعة الدول العربية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من القوة السياسية والقانونية لحماية الدول العربية ومواطنيها، سواء داخلياً أو خارجياً، لذلك لا بد من دور عربي ولو بالحد الأدنى لمساعدة الليبيين في الخروج من الأزمة والتوحد، وإعادة الوحدة الوطنية واحتضان ليبيا وتشجيع الفعاليات السياسية الليبية المختلفة للاجتماع والتحاور في ليبيا، أو في إحدى العواصم العربية، بدل وجودهم في العواصم الأجنبية، وهذا هو الدور الذي يجب أن يتبناه العرب، خصوصاً الدول العربية في الشمال الأفريقي، وعلى رأسها مصر، على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها بعض هذه الدول.

 المهم في هذه الثورات والاحتجاجات ألا تستغل لتكون مفاتيح لتقسيم الوطن العربي وخلق دويلات جديدة، وكذلك ألا تكون مفاتيح لحروب أهلية لا تنتهي ولا تحمد نتائجها، وتخلق عدم استقرار في المنطقة، وتفتح باب التدخلات الأجنبية التي لا تريد خيراً للشعوب العربية.

  * أكاديمي سعودي.
  
 المصدر صحيفة الحياة اللندنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق