الجمعة، 11 نوفمبر 2011

جلود يحرن مثل الجمل!
قاسم حسين
خمسة أيام تابعت فيها لقاء «الحياة» مع عبدالسلام جلود، كل حلقة تترك في نفسي كمية إضافية من الحزن على هذا البلد العربي المستباح... ليبيا.

قبل شهرين من تحرك الشعب الليبي في فبراير/ شباط 2011، كتب القذافي مقالاً دعا فيه نائبه السابق (جلود) إلى العودة والقيام بدور لإصلاح الفساد. وأرسل ابنيه المعتصم والساعدي إلى باريس لإقناعه بأن الجمهورية الثانية ستكون أفضل من الأولى. طنطنة... إذ كانوا ما يزالون يحلمون! وعندما رفض قال القذافي لجلسائه: ألم أقل لكم إن جلود سيحرن؟
بعد الثورة طلب منه أن يخرج على التلفزيون ويطلب من الشعب الوقوف معه ومهاجمة «الناتو»، لكنه رفض. ويذكر جلود أن الجماهير وصلت في هبتها الأولى إلى 300 متر من باب العزيزية، لكن إشاعة عن هرب القذافي أوقفتهم وقضت على حماستهم، وتدخل الأمن لحظتها وقضى على الحركة. ويسجل جلود أن الأمهات كن خائفات على أولادهن في البداية، لكن في الفترة الأخيرة أخذن يحمسن أبناءهن على الثورة.
كان غسان شربل يسأله عن الأسماء الكبيرة حول القذافي (أبوبكر يونس وموسى كوسا والسنوسي وحتى شلقم...) فيصر جلود على أنهم لم يكونوا أكثر من عبيد ومطبلين، وكان القذافي يتصرف كرئيس قبيلة وإله على الأرض. وكان يقول لجلود: «الليبيون إذا أعطيناهم قليلاً طلبوا الكثير»، ويشير بيده إلى أنه لن يعطيهم شيئاً!
ومع أن شربل دقيق في أسئلته، إلا أنه أعاد عليه مرتين هذا السؤال: «ما أبرز الجرائم التي ارتكبها القذافي»؟ فأجابه في المرة الأولى: دمّر ليبيا والشعب أخلاقياً ونفسياً ومعنوياً واقتصادياً واجتماعياً، ودمر الروح الوطنية والنسيج الاجتماعي. أمّا في المرة الثانية: مذبحة سجن أبوسليم.
في الحلقة الأخيرة، يقول عن القذافي إنه كان منضبطاً وحسن السلوك، لا يدخن ولا يعاقر الخمر، لكنه تغير بعد 1975 فأصبح عنجهياً متعالياً، يحتقر الآخرين بلا استثناء، ويتهم كل من يعارضه بأنه ضد سلطة الشعب! وعندما زار مبعوث دولي ليدعو للإصلاح والحوار مع معارضيه، أجابه ابنه سيف الاسلام: كيف نحاورهم وهم مجرد خدم ومهمتهم لعق أحذيتنا؟
اعتمد القذافي - حسب جلود - سياسة التخويف والتجويع وتدمير التعليم، لمعرفته بأنه إذا كان الوضع الاقتصادي جيداً، فسيهتم الناس بالشأن العام، ولكن عندما يكونون تحت خط الفقر فسيعملون 24 ساعة لتوفير رغيف الخبر.
من الأسئلة المباشرة التي طرحها شربل: هل خاف القذافي بعد سقوط صدام؟ فأجاب: خاف وشعر بأن الدور سيأتي عليه. كان يعتقد أن الليبيين سيقبلون به وبأولاده إلى الأبد بلا مقاومة، إذا ما توصل إلى حل مع أميركا. لم يكن يخاف سوى أميركا التي كانت تمثل له ضغطاً نفسياً شديداً يفرغه في استئساده على الليبيين. سلّم الأسلحة للأميركيين، وكان الليبيون محبطين من الغرب. القصة العراقية تتكرّر بتفاصيلها المملة!
في الشأن المعاصر، قال جلود إن الثورات العربية ثورات غضب لإسقاط الطغاة، وليست ثورات بالمفهوم العلمي، تحمل مشروعاً فكرياً سياسياً آيديولوجياً للتغيير.
اختار الصحافي أن يختم اللقاء بسؤال ساخر: لماذا سعى القذافي إلى أن يصبح ملك ملوك افريقيا؟ فأجاب جلود: «من ثوري إلى ملك ملوك افريقيا معناه أنه فقد عقله»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق