أم أن مجلسنا (شيخ ومقعود إحذاه)
المهندس/ فتح الله سرقيوه
بداية أود القول أننى أعنى (بالشيخ) هنا فى عنوان مقالتى هذه .. هو شيخ القبيله ولا يذهب أحد بأفكاره بعيداً فليس من عادتى التلاعب بالآلفاظ أو أخفى بين السطور شيئاً فلم تُجانبنى الصراحة والشفافية يوماً ما ولكننى أكتب بأسلوب سهل يمكن أن يفهمه أى موطن ليبى بسيط
فلست من النخبة التى تحمل أفكاراً خاصة ولست من المثقفين الكبار الذين يطرحون أنفسهم هذه الأيام على الساحة وعيونهم على الكراسى حتى ولو كانت كراسى عرجاء مؤقتة مرهونة بمسيرة هنا أو مظاهرة هناك كفيلة بأن تودى بمن يجلسون عليها مهما كانت مناصبهم ومهامهم خارج المجلس الوطنى الإنتقالى أو المكتب التنفيذى لأن المواطن الليبى لم يعد ذلك المواطن السهل إقناعه بأسلوب الدغدغه والوعود الجوفاء ، فاليوم أصبح مواطناً واعياً بما يدور حوله من أحداث ولا يمكن أن تنطلى عليه الأمور بقصد أو غير قصد .
أقول .... فى مجتمعنا الليبى المجتمع المترابط لم نكن نلجأ إلى القضاء فى كل كبيرة أو صغيرة إلا فى الأمور الصعبة والمستعصية ، فقد كان لدينا فى عُرفنا وما زال ما يسمى (بالحل العرفى أو الميعاد) له دوره ولا يمكن التطاول عليه أو الإستخفاف به من أى كان حيث يتكون من مجموعة من العقلاء والوجهاء وأصحاب الرأى وغالباً ما يكون شيخ الميعاد من كبار السن من أهل المشورة والذين لهم صيت طيب وسمعة حسنه فى نشر المحبة والتوافق بين القبائل ، ولكن فى بعض الأحيان تحاول القبيله فرض أحد بعينه كشيخ يمثلها لإعتبارات معينة ومنها أحياناً كبر السن أو الخبرة الإجتماعيه أو الوجاهة مثلاً أو التاريخ المشرّف أو الخواطر، وهم يعلمون بأن هذا الشيخ قد لا يصلح بأن يكون فى هذا المكان ولكن يحاولون تلافى ذلك بدعمه أو إسناده ببعض من العواقل وأصحاب الرأى ، وعندما يُسألون لماذا ذلك ؟ يقولون (شيخ ومقعود إحذاه) أى أنه مجرد وجاهة ولكن الرأى ليس فى يده بل فى يد غيره وهكذا ولا زال عُرفنا القبلى يتمشّى بذلك إلى يومنا هذا ، ولا يعد الأمر فى إطار إنقاص قيمة الشيخ أو التقليل من منزلته ولكن عدم التنازل عنه لأنهم يوفون بالعهد ويحترمون كبيرهم.
هذه الأيام أقرأ للكثيرين من المثقفين والسياسيين الذين يشنّون حرباً شرهة على القبيلة وينعتوها بأبشع الأوصاف ويحاولون بقدر ما يستطيعون إبعادها عن الساحة السياسية وحتى الإجتماعية إذا إستطاعوا ذلك وتهميش دور المؤسسات الأهلية التى لعبت دوراً كبيراً وعظيماً خلال الأشهر الماضية ، فمن أين جاءت هذه المؤسسات الإجتماعية ؟ أليست من أبناء شرائح المجتمع الليبى وقبائله !! إن تلك التيارات التى نشاهدها اليوم على الساحة تدرك أن غالبية مجتمعنا الليبى قد لا يفهم كثيراً فى لعبة السياسة بأشكالها المتعددة ، ولكنه يؤمن ويفهم القانون الإنسانى ، وهو قانون العلاقات الإجتماعية وعلاقة الدم فمنذ الأيام الأولى لثورة أبطال 17 فبراير ، إهتزت الأرض الليبية من تحت أقدام مشائخ وعواقل قبائلنا وأعلنت الفزعة الحقيقية منذ اللحظة الأولى فكانت قبائلنا هى الخط الخلفى للثورة دعماً وسنداً وقوة جبارة تدفع الشباب إلى الأمام ولم تتأخر هذه القبائل عن أداء دورها أبداً فى إطفاء نار الفتنة فى أى مكان ، ولولا العلاقات الإجتماعية القبلية ما قامت قبائل الصحراء الغربية بجمهورية مصر العربية من قبائل أولاد على بما قامت به من مواقف جريئة منذ الأيام الأولى بدور الحفاظ على حدودنا الشرقية من أى إختراق أمنى من أزلام النظام وأعوانه وكذلك القبائل العربية التى تقطن بجوار حدودنا الغربية التى فتحت ذراعيها إستقبالاً للنازحين من جبل نفوسه ، ناهيك عن الشهداء من أبنائها الذين سقطوا فى ساحات الدفاع عن ليبيا بعد ذلك . ولا أنسى عندما قابلت شخصياً بعض المشائخ من قبائل أولاد على فى مدينة مطروح خلال الأسبوع الثالث للثورة حيث قال لى أحدهم (من ناحيتنا إنشاء الله ما إجيكّم سوء أبداً فنحن أهل وأبناء عمومة (خيخى وبنيخى) كما يقال ... وتربطنا علاقات دم) .
حدث ... فى الأسبوع الثالث للثورة بعد مقابلتى للسيد المستشار مصطفى عبدالجليل مع مجموعة من الوطنيين بجمعية عمر المختار فى بيته بالبيضاء ولن أنسى كلمته التى قالها (لو لم تنجح الثورة فلن يُبقى القذافى أحداً على قيد الحياة ) كلمات سأظل أتذكرها دائماً ومجرد خروجنا من بيته المتواضع قلت لرفيقه المتواجد معنا (لابد من وجود حراسة على السيد مصطفى فالأمر أصبح خطيراً) فرد.. الله هو الحافظ ، تواحدنا مع اللسيد مصطفى فى ذلك اليوم ذكره بعد أيام المدعو يوسف شاكير ومن المؤكد أن ذلك كان عن طريق إتصال من أحد أزلام القذافى حيث هدد شاكير بتصفيتنا قريباً على حد قوله وقبلها تطرق شاكير بأن أحد أبنائى يقوم بجلب أعضاء من القاعدة من الدول المجاورة للحرب مع الثوار ،، أقول ذلك للتاريخ بالرغم من أن الكثير أقفل عليه بيته أو إنتهى به الأمر وأسرته إلى خارج الحدود فى الأيام الأولى للثورة ، واليوم هناك من يأتى ويتقدم الصفوف بعد ثمانية أشهر ويا ليت الأمور وقفت عند ذلك بل يشكك فى دور البعض من الوطنيين ، ولمثل هذا أقول أن الثورة ورفض الظلم عمل لم يكن وليد لحظة أو صدفة بل نتيجة نضال طويل وإيمان بقضايا يتعرض أصحابها للسجن والمعاناة والتحقيقات والإستدعاءات وفقدان الحق المشروع فى العمل وقطع الأرزاق فى ظل دكتاتورية لم يشاهد لها التاريخ مثيلاً وهناك الكثير لا يتحدثون من فراغ بل من واقع ووثائق ومستندات .
السادة القراء الأعزاء ... لقد تعودت عندما أبدأ فى الكتابة أجد صعوبة فى التوقف لأننى أكتب مباشرة على الكى بورد ولم أتعود أن أكتب مقالة وأسحبها لكى تُصحح لغوياً أو إملائياً كما يفعل أصحاب المهنة الصحفية من المؤهلين صحفياً كما يدعون فأنا مجرد كاتب متواضع أحاول قدر المستطاع أن أعبر عن رأى بكل أمانة ، أحترم رأى الآخرين وأكره من يختفون وراء الأسماء المستعارة والوهمية وأحتقر الذين يخاطبون الآخرين من وراء حجاب .
فى سنة 1911م عندما بدأت البوارج الحربية الإيطالية فى دك المدن الليبية على الساحل ، تنادت القبائل الليبية فى كل مكان (ودقت الطبول) فى قرانا ونواجعنا وهى الإشارة الصوتيه لتجميع شباب ورجالات القبائل وتمت المباشرة فى الإجتماعات العرفية وتجهيز الدعم اللوجستى بلغة الحرب ، حيث برزت القيادات وهى التى تفرض نفسها عبر مواصفات وقتيه ولا تتطلب تقديم ملف أو سيرة ذاتيه فى الأوقات الراهنة والحرجة كما نشاهده اليوم ، فكان المجاهدون الأبطال وعلى رأسهم فى البداية بعض من الضباط الأتراك الذين أبوا أن يتركوا ليبيا تلك البلاد الإسلامية التى أحبوها ، ومن أجل العهد الذى قطعوه على أنفسهم فى حماية ليبيا التى كانت تحت حكم العهد العثمانى الثانى ، وما هى إلا مدة وجيزة حتى بدأت تبرز القيادات الليبية وعلى رأسهم فى الشرق شيخ الشهداء عمر المختار وبوعمر وبورحيل والجويفى والعبار وفى الغرب السويحلى والبارونى وعسكر وغيرهم ، ولهذا الأمر سلّموهم الشعب الليبى تولى الأمر وإنخرطوا فى ما يسمى الأدوار القتالية ولم يخالفوهم ولم ينقلبوا عليهم لأن شعبنا شعب مؤمن بالله تعالى وبسيد الخلق وسنته فأهلنا لا يخونون الأمانة ويعتبرون الكذب رذيلة ما بعدها رذيلة وعهودهم قاطعة لا رجوع فيها وخصومتهم شريفة .
حقيقة لقد إنزعجت من طلب المجلس الوطنى الإنتقالى بشأن مناشدته (الناتو) بالبقاء فى أداء مهمته حتى نهاية 2011م وكأنه اصبح (بودى جارد) للمجلس الإنتقالى بعد تحرير ليبيا !!.. هذا الأمر جعلنى أبتعد بتفكيرى بعيداً جداً وأضع بعض الأسئلة الصعبة الكثيرة ولن أطرح إلا سؤالاً واحداً (ما هى الأسباب الخفية وراء هذا الطلب إن وجدت ؟؟!!) وأتمنى أن مجلسنا لا يمكن أن يكون (شيخ ومقعود إحذاه) وإلا ... سلامات يا ليبيا ... فهل أمرنا فى يد غيرنا ؟؟ وهذا بعيد الإحتمال ... وهل أولى الأمر ليست لديهم الثقة التامة فى ثوارنا وشعبنا وهم يتخوفون من أى طارئ قد يحدث من أزلام النظام الذين لا زالوا طُلقاء ولم يتم القبض عليهم أو ربما يروا فى أمور لا يراها الشعب الليبى ، فالرجاء من مجلسنا الموقر الصراحة والشفافية حتى لا يعطى المبررات للإشاعات والإمعان فى التفكير من قبل البعض ولا يتركونا نسترق السمع من هنا أو هناك أو ممن حول المجلس الإنتقالى....أو إحذاه..
أُنهى وأقول ... عندما قطعوا ثوارنا الأحرار عهداً على أنفسهم على تسليم الشرعية للمجلس الوطنى الإنتقالى فى ظل وفاق علنى وهو عهد قطعوه على أنفسهم ولا يجور الرجوع فيه إلا بأمر جلل ، وما دامت الشرعية بأيدى اعضاء المجلس الإنتقالى وهم الذين تم تخويلهم فى تعيين أعضاء المكتب التنفيذى لإدارة شؤون البلاد مؤقتاً ، فلزاماً على الجميع مراعاة هذا العهد شريطة أن يقوم المجلس الوطنى بعرض السيرة الذاتية (العامة والخاصة) لكل عضو فى المكتب التنفيذى (الحكومة المتوقعة) لأننا لسنا فى ميعاد عرفى نحتكم فيه للعلاقات الإجتماعيه والثنانية والإنتقائية ولكن لكى يطمئن ثوارنا وأبناء شعبنا ومن له رأى مخالف يريد أن يفهم بأن الأمور تسير على الوجه المطلوب ومبارك من الجميع .. .. والله من وراء القصد .
دنيا الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق