سيمون كير
وسط الركام الذي يعقب كل مواجهة أخيرة، توجد لكل ديكتاتور وثائق بالغة الحساسية. ومثلما حدث في بغداد قبل ثماني سنوات، يكشف سقوط العقيد معمر القذافي أساليب العمل الداخلية للنظام السري في عهده.
وأجهزة الاستخبارات الغربية والسياسيون الغربيون الذين توددوا إلى النظام، مضطرون الآن إلى مواجهة تمحيص دقيق لتعاونهم مع الزعيم الليبي.
وربما يكون الدور تاليا، على الممولين الدوليين الذين احتفوا بالمديرين التنفيذيين في هيئة الاستثمار الليبية؛ صندوق الثروة السيادية البالغ حجمه 65 مليار دولار الذي أنشأه سيف الإسلام، نجل العقيد القذافي، عام 2007. فقد كشفت الحرب التي دامت ستة أشهر ضد العقيد القذافي، بعض الأسرار التي أخفتها هيئة الاستثمار الليبية لفترة طويلة جدا.
وتحتوي تقارير إدارية تم أخذها من مكاتب هيئة الاستثمار الليبية في لندن، حينما جرى تجميد الأصول في الخارج وتشديد العقوبات على النظام، على معلومات مزعجة. فهي تظهر أن بعض استثمارات الصندوق مع بنوك مثل جولدمان ساكس وسوسيتيه جنرال، تضررت بشكل كبير جراء الأزمة المالية العالمية.
وأبرز مراجعون خارجيون آخرون للصندوق أنظمة حكم فوضوية ومشوشة، ولعل هذا لا يثير استغراب أولئك الذي كانوا يعرفون مدى انتشار سيطرة عائلة القذافي.
ولعل الأكثر أهمية بالنسبة للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، هو المخالفات المحتملة التي ارتكبها الموظفون والشركاء الدوليون في هيكلة المنتجات والصفقات العقارية. وقد أمضى المجلس الوطني الانتقالي عدة أشهر في غربلة الحسابات التي تمكن من الحصول عليها، وتقدير الخسائر بما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار.
الخبر السار هو أن هيئة الاستثمار الليبية لم تنوع نشاطاتها أبدا بعيدا عن المال. لذا خسر الصندوق قدرا أقل في الأزمة المالية العالمية مما كان يمكن أن يخسره، وإن فشل في الاستفادة الكاملة من الانتعاش.
إن تتبع الحركات الدائنة والمدينة أمر مهم أيضا. وإضافة إلى استئناف صادرات النفط، من المفترض أن تمول ممتلكات ليبيا من الأصول الأجنبية، المقدرة بـ 160 مليار دولار- بما في ذلك حصة كبيرة من أصول هيئة الاستثمار الليبية - تكاليف خطط المجلس الوطني الانتقالي الطموحة لبناء الدولة.
ويسعى المجلس للحصول على خمسة مليارات دولار من التمويل الطارئ، لتحويل نفسه إلى حكومة حقيقية. ويشمل هذا نزع سلاح الميليشيات لتأمين البلاد، وإبقاء الكهرباء، وملء محطات الوقود بالبنزين، وتوسيع الاستثمار المحلي للحد من التوترات القبلية والجهوية.
وبسبب خوفه من الانزلاق إلى حالة من الفوضى، كما حدث في العراق بعد صدام حسين، يريد المجلس الوطني الانتقالي تنفيذ انتقال سلس عن طريق الحفاظ على الأمن والبنية التحتية البيروقراطية. وتتوسل الحكومة المؤقتة لموظفي الدولة، من رجال الشرطة إلى المعلمين، للعودة إلى العمل، قائلة إن أولئك الذين كانوا يعملون لدى النظام وأيديهم ليست ملطخة بالدماء مرحب بهم.
وينطبق الشيء نفسه على هيئة الاستثمار الليبية. فقد تم إعادة المدير الإداري السابق للعمل في منصب الرئيس التنفيذي، وترقية الرئيس التنفيذي السابق إلى رئيس مجلس الإدارة.
ويقول بعض الأشخاص داخل صفوف الثوار إن إصلاح الجذور والفروع ضروري للتخلص من الحلفاء الموالين للقذافي وإحداث تغيير حقيقي بعد عقود من الطغيان. وأسهم هذا في انقسام داخل معسكر الثوار بشأن الاتجاه المستقبلي للصندوق.
إلا أن المجلس الوطني الانتقالي يأمل في تنفيذ عملية التنظيف عن طريق إنشاء لجنة تحقيق مستقلة، تعتمد على المحاسبين القانونيين وغيرهم من الخبراء، للتدقيق في المعاملات المشبوهة. ويقول المجلس إنه سيعين مجلس إدارة جديد وأمناء جدد، وهي خطوة بالغة الأهمية لتخفيف المخاوف في صفوف الثوار.
ويجب أن توضح التعيينات الالتزام بنهج جديد للحكم، بحيث يتم وضع الجدارة فوق المحسوبية، في وقت تسعى فيه ليبيا إلى تمكين المؤسسية على النهج الفردي.
وكان الفساد في ليبيا متأصلا في جميع أنحاء المجتمع، لذا فإن الحملة لاجتثاث المخالفات المشتبه بها في هيئة الاستثمار الليبية تشكل جزءا من جهود أوسع لترجمة رسائل الثورة القيّمة إلى واقع.
ومع عودة نظام العمل المعتاد في مكاتب الاستثمار الليبية، لا شك أن الوثائق الموجودة هناك ستتضمن أسرارا أخرى. ولعل هذا مما سيكون مصدر قلق للبنوك الدولية والمديرين التنفيذيين المحليين وغيرهم. لكنه سيكون مهما للغاية لإصلاح ليبيا العصر الجديد.
الإقتصادية الألكترونية
13 اكتوبر 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق