الأربعاء، 8 يونيو 2011

بنغازي وطرابلس: قصة مدينتين

باتريك جيه ماكدونيل : في كل يوم يجتمع العديد من الليبيين في طرابلس كما يجتمع ليبيون آخرون في بنغازي، حول معرض لصور الشهداء يعقد في منطقة وسط المدينة، تكريماً للذين سقطوا في المعارك الدائرة في ليبيا، والذين يطلق عليهم في طرابلس "أبطال النظام"، وفي بنغازي "شهداء المقاومة".
فهنا في طرابلس يعلن المشاركون في المسيرات كل يوم ولاءهم الذي لا يتزعزع لزعيم البلاد، وعلى بعد 630 ميلاً نحو الشرق يعلن سكان بنغازي كراهيتهم له ونفورهم منه.
والحقيقة أن مدينتي طرابلس وبنغازي باتتا تجسدان المعركة من أجل مستقبل ليبيا. وعندما ننظر إلى المدينتين فسنجد أن الخصائص الأساسية لهما متمثلة في اللغة والعادات والتقاليد والدين والمظهر... متماثلة، بل هي ذاتها. ليس هذا فحسب بل نجد أن الكثير من سكان كل مدينة لهم أقرباء أو أحباء في المدينة الأخرى، بل وهناك خشية لدى سكانهما حالياً من أن تؤدي الظروف الراهنة إلى امتداد الصراع بين الأخوة المتقاتلين لفترة طويلة في المستقبل. ورغم ذلك نجد أن كل مدينة باتت تعرّف نفسها من خلال مقارنة نفسها بالمدينة الأخرى التي تعتبرها في الطرف الآخر. فليبيا التي يبلغ تعداد سكانها نحول ستة ملايين نسمة تختلف عن العراق وعن البلقان اللذين كانا يغليان بتوترات طائفية مكبوتة تحت الرماد، ذلك أن الصراع فيها يكاد يتركز بشكل شبه كامل على رجل واحد هو معمر القذافي.
فبنغازي عانت طويلاً تحت حكم القذافي الذي قاد انقلاباً عسكرياً عام 1969 ضد الملك أدريس السنوسي الأول الذي لا يزال يحظى بتقدير لدى بعض الأوساط في شرق ليبيا، التي أسس فيها جده حركة دينية راسخة. وكان من العوامل التي أدت إلى الانقلاب، اعتقاد كان يسيطر على زعماء القبائل التي تسكن الغرب مؤداه أن الملك إدريس كان يدلل الجزء الشرقي من البلاد على حساب الغرب، وذلك على اعتبار أن الشرق هو المنطقة التي نشأت فيها الحركة السنوسية التي أسسها جده. ومنذ أن تولى القذافي الحكم تبدل الأمر، حيث أصبح سكان بنغازي يقولون إن مدينة طرابلس هي التي تتمتع بمعاملة تفضيلية من قبل القذافي.
وبنغازي مدينة ذات مظهر يعطي الإحساس بحاجتها إلى عملية تجميل، أما طرابلس فتحفل بالعديد من الأبراج السكنية وأبراج المكاتب الزجاجية المطلة على البحر المتوسط والتي تعطي الإحساس بأن السلطات فيها قد بذلت الكثير من الجهد من أجل تحويلها إلى مدينة كوزموبوليتية. وخلال المعارك الحالية، عمد سكان بنغازي إلى طمس أسماء وصور القذافي من كل مكان... ورفعت مسيراتهم شعارات وتغنت بهتافات تنادي برحيل القذافي وعائلته عن البلاد. أما في طرابلس فإن صور القذافي الكبيرة وهو يرفع قبضته في الهواء تغطي كل شيء، من أعمدة النور وحتى الجدران والسيارات ونوافذ المكاتب، مشجعةً أنصاره على الصمود.
ووصول صحفيين أجانب إلى طرابلس يفجر مظاهرات واحتجاجات عفوية لأناس يحملون الأعلام الليبية خضراء اللون وصور القذافي، ورغم أن الكثير من ملامح المشهد تبدو مخططة سلفاً إلا أن بعض العواطف تبدو حقيقية. "إني فخورة بأن أبني قد ضحى بحياته من أجل القائد"، هذا ما تقوله نجاة رمضان التي شاركت مؤخراً في مؤتمر حاشد تأييداً للقذافي. وخلال المؤتمر كانت نجاة ترفع صورة لابنها الكبير أكرم مصبح (18 عاماً) وهو مجند في الجيش الليبي قتل في معركة في أبريل الماضي ضد المتمردين في مدينة مصراتة، كما كانت ترفع شهادة مكتوبة بماء الذهب تثبت أن ابنها "شهيد من أجل الوطن".
ورغم هذه الظروف العصيبة وغير الاعتيادية، فإن المدنيين من سكان المدينتين يتحدثون بشكل إيجابي عن مواطنيهم في المدينة الأخرى. "نحن نكن كل الحب لسكان طرابلس، فليس بيننا وبينهم إلا الخير"، هذا ما يقوله أيمن غدير رجل الأعمال في مدينة بنغازي الذي يقدم وجبات غذائية مجانية في أحد المطابخ التي تعد الطعام للمقاتلين والنازحين من مناطق أخرى بسبب القتال المحتدم. ويضيف غدير: "هم في النهاية إخوتنا وأخواتنا".
والعثور على أحد في طرابلس لديه الرغبة أو الشجاعة لانتقاد القذافي علناً هو احتمال ضعيف يعادل تماماً احتمال العثور على أحد في بنغازي يؤيد الزعيم الليبي عن قناعة. ومع ذلك يوافق بعض سكان طرابلس على الرأي القائل بأن الخوف من النظام الليبي الآن قد بات أقل كثيراً مما كان عليه قبل أن يندلع الصراع الحالي. "الشرطة السرية لم تعد بنفس القوة التي كانت عليها من قبل"، هذا ما قاله لي بائع في سوق الخضار رفض ذكر اسمه خوفاً على حياته.
وفي بنغازي رغم أن سكانها باتوا يلعنون القذافي في كل مناسبة، فإن العديد من قيادات التمرد فيها كانوا في الماضي ضمن المقربين من القذافي، مثل وزراء العدل والداخلية والشؤون الخارجية السابقين، بالإضافة إلى اثنين من مستشاريه الاقتصاديين.
وفي طرابلس يتم وصف المتمردين بأنهم مدمنو مخدرات ومجرمون ومتعصبون ذوو ارتباط بتنظيم "القاعدة". وذات صباح انطلقت في بنغازي زخات من الرصاص في الساعات المبكرة من يوم الأول من مايو الماضي في نفس الوقت الذي كان مذيع التلفزيون الليبي الرسمي يعلن بنبرات حزينة أن غارة لحلف الأطلسي قد أدت لمصرع أحد أبناء القذافي وثلاثة من أحفاده.
وفي طرابلس وأثناء جنازة القتلى من أبناء القذافي تبدت مشاعر السخط والغضب في أجلى مظاهرها بين المعزين، وبعد الجنازة قامت جموع غاضبة بمهاجمة السفارات الأجنبية بما فيها مبنى البعثة الأميركية.
المصدر: "إم.سي.تي. إنترناشيونال"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق