تكثر التساؤلات حول أسماء ممثليه ويتعاظم التنافس داخله على مناصب «سفرائه» للخارج
تشكل المجلس الوطني الانتقالي مع انطلاق الثورة الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي في السابع عشر من فبراير (شباط) الماضي، بغرض تسيير الأمور اليومية في المدن والقرى التي يصفونها بالمحررة، ويتكون المجلس من 31 عضوا يمثلون مختلف المدن الليبية.
تم الإعلان عن تأسيس المجلس الانتقالي في الخامس من مارس (آذار) 2011 في مدينة بنغازي، لكن ما زال الغموض يكتنف المجلس منذ الإعلان عن تشكيله، والأسماء التي تمثله في الداخل والخارج والتي تراهن عليها دول التحالف بقوة لحسم المعركة على الأرض، كي لا تجد نفسها مجبرة على نشر قوات برية تضعها في مواجهة مقاومة وطنية شرسة ضد «الغزو الأجنبي»، على غرار النموذج العراقي، وذلك رغم الاعترافات المتوالية من دول العالم سواء كانت صريحة أو ضمنية بالمجلس المناهض للزعيم الليبي معمر القذافي.
ويعود عدم معرفة المجتمع الدولي بأسماء جميع أعضاء المجلس الوطني الانتقالي، باستثناء أسماء الذين انشقوا عن القذافي، مثل رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل ومحمود جبريل أو المعارضين القادمين من الدول الغربية مثل اللواء خليفة حفتر، إلى تركيبة المجتمع الليبي. فمنذ أن وصل القذافي إلى الحكم في عام 1969، تفتقر ليبيا للأحزاب السياسة والنقابات ووسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني. ويجعل ذلك من الصعوبة بمكان العثور على قيادات معارضة في أنحاء ليبيا. ومن هنا نجد أن معظم القيادات الحالية التي تمثل المجلس وتسوق له في الخارج، هم من المعارضين المقيمين في دول كالولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها.
وعلى الرغم من إعلان الموقع الإلكتروني الرسمي للمجلس وتصريحات مسؤوليه عن أن المجلس يتكون من 31 عضوا يمثلون كافية المدن الليبية، فإنه لم يكشف عنها حتى الآن. وفي موقعه الرسمي تم إدراج أسماء ثلاثة عشر منهم فقط، على رأسهم رئيسه مصطفى عبد الجليل ونائبه (المتحدث الرسمي باسم المجلس) عبد الحفيظ غوقة. ولم تشمل تلك القائمة ممثلين عن مدن كأجدابيا والكفرة والغاط ونالوت ومصراتة وزنتان والزاوية.
وفي حين أكد مصادر مقربة من القذافي أن المجلس الانتقالي لم يستطع إقناع أكثر من 8 شخصيات فقط من الداخل والخارج للانضمام لعضويته، «وليس 31 عضوا كما يدعي، بسبب رفض معظم الشخصيات الليبية المعروفة قبول عضوية هذا المجلس»، نفى علي زيدان، أحد ممثلي المجلس الوطني الانتقالي الأمر. ورفض «الشائعات» التي تتحدث عن عدم عثور المجلس على قيادات في المدن الليبية المشار إليها، مؤكدا خلال زيارة قام بها مؤخرا للعاصمة الفرنسية باريس، أن المجلس هو الذي يتعمد عدم الكشف عن أسماء ممثليه في هذه المدن «لأسباب تتعلق بسلامتهم وسلامة أسرهم».
أما أبرز الأعضاء المعلن عنهم في المجلس، هم مصطفى محمد عبد الجليل، وعثمان سليمان المقيرحي ممثلا عن البطنان، وعاشور حمد بوراشد ممثلا عن درنة، وعبد الله موسى الميهوب ممثلا عن منطقة القبة، وعبد الحفيظ غوقة وفتحي تربل وأحمد عبد ربه العبار ممثلين عن بنغازي. وهناك أيضا أحمد الزبير ممثلا عن السجناء السياسيين، وفتحي البعجة ممثلا عن الشباب، وسلوى الدغيلي ممثلة عن المرأة. وهناك عمر الحريري مسؤول الشؤون العسكرية في المجلس. وجرت تسمية كل من محمود جبريل وعلي العيساوي مسؤولين عن الشؤون الخارجية والاتصال الدولي. بالإضافة لممثلين للمجلس من المعارضة الليبية المقيمين في دول أجنبية.
معظم أعضاء المجلس الوطني الانتقالي هم من المحامين والمدرسين وأساتذة الجامعات. ويعد رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل بمثابة أشهر شخصية في المجلس، ليس فقط لأنه انشق عن القذافي في بداية اندلاع الثورة بعد أن استقال من منصبه كوزير للعدل، لكنه كسب شهرة سابقة على المستوى الدولي منذ أن أكد حكم الإعدام مرتين عندما كان رئيسا لمحكمة الاستئناف، على مجموعة من الممرضات البلغاريات بتهمة نقل مرض الإيدز لأطفال ليبيين، قبل أن يطلق سراحهن من ليبيا في عام 2009، بفضل وساطة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وإضافة لهذا الموقف، فلدى عبد الجليل عدد من المواقف التي أكسبته تأييدا شعبيا من المعارضة الليبية، حيث كان قد استقال احتجاجا على عدم تنفيذ أحكام القضاء واستمرار الأجهزة الأمنية في اعتقال أكثر من 300 سجين سياسي يقبعون في المعتقلات السياسية بعين زارة وبوسليم، رغم أن محاكم ليبية قضت ببراءتهم.
وتصف مجلة «إكونوميست» البريطانية عبد الجليل بأنه «شخصية تقليدية تحظى بتأييد المعتدلين والعلمانيين مثلما تحظى بتأييد التيار الإسلامي والعديد من القبائل الليبية». وتضيف أنه «لذلك فهو شخصية مقبولة من الليبيين والعرب والمسلمين على حد سواء، حتى لا يتهم الغرب بفرض شخصيات على المجلس ممن يتحدثون الإنجليزية والفرنسية».
أما الرجل الثاني في المجلس، عبد الحفيظ غوقة الذي يشغل أيضا منصب المتحدث، فإنه يقول إن المجلس الوطني هو لإدارة الأزمات وليس حكومة بالمعنى الحقيقي، مؤكدا أن المجلس سيشكل حكومته الدائمة التي ستتولى أمور البلاد «بعد تحرير جميع أراضي ليبيا» من حكم العقيد القذافي. لكن غوقة أكد في أحد مؤتمراته الصحافية الشهر الماضي، عند سؤاله عن جهوزية المجلس العسكري واحتمالية عقد صفقات للسلاح مع دول اعترفت به، أنهم «دولة ويقومون بإدارتها داخل الدولة الليبية ويحق لهم ما يحق لغيرهم من إقامة علاقات وعقد اتفاقات وغيرها».
ومن خلال تلك التصريحات والتحركات، يتأكد تماما أن حركة المعارضة الليبية التي يجسدها ويديرها المجلس الوطني الانتقالي بدأت بالفعل في التحضير لنواة دولة ليبية جديدة لا شك أنه سيكون أمامها عدد كبير من التحديات في الداخل والخارج. ففي الداخل، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على بدء الثورة الليبية، بدأت تظهر تساؤلات حول موقع المجلس الانتقالي في حالة استمرار الوضع الحالي لأشهر أخرى وربما لسنوات. يقول عضو في المجلس لـ«الشرق الأوسط» طلب عدم الكشف عن هويته، إنه «من الطبيعي أن نعمل على مستقبل البلاد وأن نتصور نظاما لدولة جديدة، لكن الصحيح أنه كلما مر الوقت فإننا نخاطر أكثر بوضع نظام لا يلائم غرب البلاد وسيصعب علينا تسويقه إلى الليبيين في طرابلس ومدن الغرب». ويحكم هذه الرؤية منطق يحاول القذافي استثماره جيدا خاصة في ظل استمرار قصف الناتو على طرابلس والمدن التي يسيطر عليها القذافي، الأمر الذي يزيد من مساحة التعاطف لصالح القذافي ضد المجلس الوطني وقوى المعارضة في الشرق الليبي الذين يراهم البعض بأنهم من أعطى الغطاء الشرعي لتدخل قوى أجنبية في شؤون البلاد، بل وقصفها بمختلف أنواع الصواريخ.
وعلى الجانب الآخر، يريدها البعض خلاصا من القذافي ونظامه في أي وسيلة كانت وأيا كان البديل القادم. إذن فعامل الوقت يضيف المزيد من الضغوط على المجلس الوطني وقياداته، ويعطي القذافي وقواته مساحة أكبر للمناورة ومحاولة البحث عن انشقاقات داخل المعارضة نفسها، وزرع أياد خفية تعبث في بنغازي، معقل المعارضة. وهذا ما يفسر الأنباء الأخيرة الواردة من بنغازي لزرع عبوات متفجرة في سيارات والتي كان آخرها انفجار في موقف السيارات التابع لفندق تبيستي الذي يعد أكبر الفنادق في بنغازي، ويقيم فيه عدد كبير من الصحافيين وموظفي المؤسسات الدولية العاملة في بنغازي. ويبحث القذافي أيضا من خلال هذا الوقت عن فرص إضافية لجهود الوساطة التي يبدو أنه لا طريق أمامها في ظل مواصلة الناتو لعملياته العسكرية، وتمديدها لثلاثة أشهر إضافية مع انتهاء المرحلة الأولى.
في الداخل الليبي أيضا، يبحث المجلس الوطني في مسألة وضع دستور جديد لدولة ليبيا الجديدة، مما يمثل تحديا آخر. وتقول سلوى الدغيلي عضو المجلس الانتقالي، والتي درست في جامعة السوربون بباريس: «إنهم يقومون الآن بإعداد مسودة مشروع دستور، لجنتنا مكلفة بوضع مشاريع قوانين وقواعد منظمة للمرحلة الانتقالية، ولكننا لا نضع الدستور، وقد شكلنا عدة لجان فرعية لمناقشة وحل المشكلات القانونية التي تواجه المجلس والتي تنتج من غياب المؤسسات السياسية».
لا شك أن غياب تلك المؤسسات يفتح باب الخلافات الداخلية أمام الكثير من الآراء التي يقول بعضها إن الدستور الملكي القديم قد يمثل نموذجا جيدا لدولة ليبيا الجديدة، فيما يرى آخرون أن ليبيا تحتاج إلى دستور جديد تماما يتلاءم مع التغييرات القائمة، ويضع ليبيا في عداد الدول الديمقراطية الحديثة. لكن المعني في هذا الخلاف، هم النخبة السياسية والأكاديمية في البلاد، ولا يكترث الكثير من المواطنين بتفاصيل هذه العملية التي يريدونها فقط نهاية لفترة من القمع والديكتاتورية التي كانت تسود البلاد في عهد القذافي. وتنكب الدغيلي مع مسؤولين آخرين، على إعداد «خارطة طريق» تشمل مجلسا تأسيسيا وصياغة دستور وقانون انتخابي وانتخابات تشريعية. ويقول غوقة، نائب رئيس المجلس، تعليقا على هذا الموضوع: «إن هذه العملية يمكن أن تستغرق وقتا طويلا قد يصل إلى عامين». ويضيف: «نأمل في توسيع تمثيل المجلس الوطني الانتقالي ليصل إلى كافة مناطق ليبيا»، مشيرا إلى ضم ممثلين عن المناطق الغربية وآخرين عن الوسط والجنوب.
أما في الخارج، ومع إقامة كيان إداري للمعارضة، بدأ الصراع على السلطة يتأجج، وبات التنافس على أشده حول مناصب ممثلي المجلس في الخارج، وخصوصا في باريس وواشنطن. وأبدى البعض، مثل عبد القادر قدورة، أستاذ القانون الدستوري النافذ لدى المجلس الانتقالي، أسفه «للتمثيل المبالغ فيه» لبعض المجموعات، خصوصا المنحدرين من مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية. ويدعو هؤلاء إلى إقامة نظام فيدرالي الذي يرون أنه الصيغة الوحيدة المضادة للتقسيم.
ومنذ أسابيع ظهرت وجوه جديدة في أروقة مقر المجلس الانتقالي، وفي فنادق بنغازي، حيث يلتقي مسؤولون ليبيون مع دبلوماسيين غربيين، ويجتمع رجال أعمال ومثقفون «بعضهم عائد من الخارج»، مع كبار موظفي النظام الذين انضموا للمعارضة. وبدأ ثوار «مجلس 17 فبراير» الذي يملك خمسة مقاعد فقط من أصل 31 مقعدا في المجلس الانتقالي يظهرون تذمرهم. وبدأت بعض الشخصيات تنأى بنفسها عن المجلس في انتظار المعركة الحقيقية مع أول انتخابات تشريعية، خصوصا مع التوافق على أن أعضاء الفريق الحالي بمن فيهم مصطفى عبد الجليل لا يمكنهم الترشح للانتخابات في المستقبل. ولا ضمان يحكم هذا التوافق مع صعوبة إيجاد بدائل للقيادات التي تظهر أمام وسائل الإعلام وتكتسب شهرة كبيرة من خلال وجودها في مختلف اللقاءات التي تشهد تمثيلا للمجلس مع قيادات المجتمع الدولي، خاصة في ظل غياب مؤسسات المجتمع المدني والتهميش الذي عانى منه المواطن الليبي في فترة حكم القذافي.
إذن وبعد أكثر من مائة يوم على تأسيس المجلس الانتقالي في ليبيا، بدأ الحديث يكثر عن «خارطة الطريق» السياسية التي تتبعها المعارضة الليبية بإشراف كامل ودعم من مجموعة الاتصال حول ليبيا، والتي اجتمعت للمرة الأولى في 29 مارس الماضي في العاصمة البريطانية لندن، بحضور وفود من 22 دولة وست منظمات دولية في الأمم المتحدة والحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى هيئات حضرت بصفة مراقب. وتضم هذه المجموعة كلا من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، ودولة قطر والأردن والمغرب، ومسؤولين من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، إلى جانب ممثلين عن المجلس الوطني الانتقالي، الممثل الشرعي للمعارضة الليبية.
تلك المجموعة تتصل ببعضها وتبحث في لقاءات شهرية في خيارات ليبيا ما بعد القذافي. وتحظى ليبيا بهذا الاهتمام الدولي نظرا لأنها الدولة الاستراتيجية الكبرى جغرافيا والتي تمثل بوابة رئيسية بين أفريقيا وأوروبا. وتحظى بأهمية اقتصادية بسبب احتياطاتها النفطية الضخمة بالنسبة إلى الغرب عموما. وسيكون الإجماع الداخلي على سياسة واضحة يتفق حولها أطراف المعارضة الليبية والوفاق الدولي على صيغة مشتركة للتوصل إلى صرف الأموال المجمدة للمقربين من القذافي، والتي تمثل مصدرا مهما للمجلس ويريدها البعض أن تتم بطريقة سريعة، من أبرز العوامل التي ستساعد على تطبيق خارطة لطريق يصعب التكهن بتفاصيله.
ولأن عملية الهدم كما هو معروف أسهل بكثير من عملية البناء، فإن التحدي الحقيقي الذي سيواجه النخب السياسية المعارضة في ليبيا، ليس إزالة نظام القذافي فحسب، بل بناء النظام السياسي البديل والجديد بشكل سليم ومتوازن وبتوافق كافة الليبيين بمختلف توجهاتهم، مع الابتعاد عن زرع ألغام مستقبلية قد تنفجر بعد سنين في الشارع الليبي. وفي ظل الوصول إلى مرحلة التحضير لدولة ليبية جديدة واستمرار الوضع الراهن بصورته المتمثلة بسيطرة القذافي على معظم الغرب الليبي، وإحكام قبضة المعارضة على الشرق، تكثر التساؤلات القادمة من ليبيا ومختلف العواصم بشأن مصير ليبيا إذا سقط نظام القذافي غدا.
المصدر: جريدة الشرق الاوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق