صالح بن عبدالله السليمان: لست ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة ... ولكني لست ممن ينكر الوقائع .. ومما تعلمته في حياتي . هو أن أميز الحقائق من النظريات. وان اتبع خيط الحقيقة مهما كان ضوئها محجوبا عن الرؤية.
أرى هذه الأيام هجمة بدأت تتضح معالمها على الثورة الليبية. وان لم يتداركها إخواننا الليبيون فقد تسبب لهم المشاكل في القريب, وسأذكر هنا بعض خيوط الهجمة.
1ـ الخيط الأول , والذي بدأ يتبلور هو اتهام المجلس الوطني بالاتصال بإسرائيل. ظهرت هذه الهجمة أولا عن طريق المهرج يوسف شاكير . إذ اظهر وثيقة مكتوبة باللغة العبرية عن اتفاق بين المجلس الوطني وإسرائيل . وقال إن ما ادعى إنها وثيقة تثبت ذلك ( لا أعلم كيف يحصل على مثل هذه الوثيقة وبهذا السرعة) . تبعه في نشرها صحيفة البوم السابع المصرية , دون أن تكلف نفسها عناء التأكد من صحتها أو تبدي أي ملاحظات عليها . بل نشرتها كوثيقة صحيحة . وذلك لتأليب الرأي العام المصري على الثورة ولسحب بساط الدعم الجماهيري المصري والعربي عنها . نزّلت الوثيقة المنشورة على اليوم السابع من موقعهم على ألنت, وأرسلتها إلى أخ فلسطيني يعرف اللغة العبرية تمام المعرفة . وأثق إن شاء الله بعلمه وأمانته . رد علي أن الوثيقة هذه ما هي إلا خربشة. ومكتوبة بلغة ركيكة جدا. ومما قاله وأنقله بالنص " المكتوب بالعبري هو ترجمة لكلام كتب أصلا بالعربي وترجم عن طريق مترجم جووجل إلى العبرية . ولا يمكن إن يكون كاتبه شخص له دراية باللغة العبرية . ناهيك عن إمكانية أن تكون وثيقة رسمية . فالطفل الإسرائيلي الذي يتعلم مبادئ الكتابة لا يمكن أن يقع في مثل هذه الأخطاء .
ومن الأخطاء الشنيعة والتي نسوقها كمثال كلمة גרין מאונתן وهذا اسم سلسلة جبال في الولايات المتحدة الامريكية، في ولاية فرمونت بينما بالعربية كتبت كترجمة للجبل الأخضر و مسمى "المجلس الوطني الانتقالي الليبي" ترجمت إلى המועצה הלאומית מעבר של לוב و هذه تعني بالعبرية المجلس الوطني العبور في ليبيا
ثم ذكر نقطة أخرى وهي نقطة غاية في الأهمية تتيح لمن لا يعرف العبرية أيضا أن يعرف إن هذه الوثيقة مزورة وتزويرها سيئ جدا . إذ وقع مزور الوثيقة في خطأ فاضح , وهو إن النص العبري في الوثيقة المزعومة كتب من اليسار لليمين . والعبرية تكتب كالعربية من اليمين لليسار . فكيف تقع الحكومة الإسرائيلية , التي تهتم باللغة العبرية اهتماما شديد ونقلتها خلال الستون سنة الماضية من لغة ميتة إلى لغة علوم تدرس في الجامعات بمثل هذا الخطأ ؟
إذن لماذا تم تبني الوثيقة دون أن يكلف من نشرها عناء التأكد من صحتها ؟ سنأتي على الإجابة لاحقا
2ـ الخيط الثاني , وبدأ بالهجمة التي تعرضت لها الثورة عند زيارة الموفد الفرنسي . وهو يهودي متعصب لإسرائيل الى بنغازي ومصرانه ؟ وكيف أن اللذين هاجموا الزيارة نسوا انه مسئول فرنسي فلقد زارها كمستشار للرئيس الفرنسي ساركوزي ومندوب عنه . ويزورها ليس بصفته كناشط سياسي أو فيلسوف أو كاتب (وهو يحمل جميع هذه الصفات) وركز محبوا الفتنة , فقط على كونه متعاطف مع إسرائيل . وهل يحق لقيادة الثوار أن يرفضوا استقبال موفد رسمي من بلد صديق فقط لأن توجهاته السياسية لا تتماشى مع توجهاتهم . أذا كان الوضع كذلك فليمنع حكام الدول العربية وسياسيوها الذين يحكمون الآن, جميع الساسة ورجال الدولة والكتاب والمفكرين الأوربيين والروس اللذين يقفون مع إسرائيل ومنهم من يقف مع إسرائيل ليس بالكلام, ولكن بالأفعال , من دخول دولهم . ولا ننسى أن هنالك الكثير من العرب اللذين يقفون ضد سياسات أوربا وأمريكا ويعيشون في الدول الغربية. فالاختلاف في النظرة السياسية لا تعني المقاطعة . ولنا في رسول الله أسوة حسنة , فلقد كان يلتقي بالكفار واليهود ويتاجر معهم , ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي , ومرض يهودي فعاده الرسول بابي وأمي هو .
3ـ الخيط الثالث, وظهر على شكل هجمة , اتضحت معالمها عندما أعلن تقرير حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وفيه إدانة واضحة وجلية للقذافي وجيشه , وبأن الجرائم التي يقوم بها هو وجيشه جرائم ممنهجة وبقرارات سياسية ومن مواقع إصدار القرار العليا بالقيام بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب , بينما ذكر التقرير أن هنالك بعض الأفعال من بعض الثوار (لاحظ التبعيض في الأفعال والثوار ) قد ترقى إلى جرائم حرب , وحدد التقرير "أن هذه الأفعال كانت بصورة فردية وليست ممنهجة " تحولت بقدرة قادر إلى :- " تقرير الأمم المتحدة يدين المتمردين و القذافي بجرائم حرب" . واقتطع من التقرير الأجزاء التي تقول أن اللجنة لم تجد أي أدلة على قيام الثوار بجرائم ضد الإنسانية ؟ كأن المقصود بهذا هو تشويه صورة الثوار وجعلهم على قدم المساواة مع القذافي . فكلهم مجرمي حرب .
4ـ الخيط الرابع . وتراه جليا فيما تنشر في جميع وكالات الأنباء عن تهريب الأسلحة لتنظيم القاعدة في المغرب العربي . ولا استطيع أن انفي أو أؤكد أن هذا التهريب وقع أم لا , ولكن لماذا لا يتم الحديث عن , من هو المسئول ؟ والذي نعرفه إن من أصول صياغة الخبر , أن يذكر الفاعل أو أن يذكر الفاعلين المحتملين , والأسباب التي تدعوا إلى الشك بهم ولكن وبرغم قراءتي لمعظم " ولا أزعم كلّ " التقارير والأخبار التي تناولت هذا الموضوع , لم أجد أي منها يتكلم عن الفاعل أو الفاعل المحتمل , بل تناولوا ما يوحي أن الثوار هم الفاعلون , فقالوا إن التهريب يحدث بسبب الفوضى التي تحدث الآن في ليبيا . فذكروا السبب , ولكن غاب عنهم ذكر المسبب والفاعل .
نعود للتهريب , تهريب الأسلحة يتم إما من الحدود الجزائرية أو التشادية , والذي يسيطر على هذه الحدود هو القذافي وجنوده , إذا منطقا وعقلا هم من يجب أن يوجه له إصبع الاتهام الأول , فالعمليات العسكرية بين الثوار والكتائب , و قصف الناتو لمستودعات الأسلحة ’ تجعل من المستحيل تعقبها وجردها ومعرفة النقص فيها . و من المعروف أن حرائق المستودعات في الشركات التي تتعرض للسلب من قبل إدارتها كثيرا ما تظهر في الفترة التي تسبق الجرد. حتى يصعب تقفي اثر السرقات, إذن المتهم الأول هو القذافي وكتائبه. المتهم الثاني هم المرتزقة اللذين سلحهم القذافي وفتح لهم مخازن الأسلحة. فالمرتزق فهمّه أولا و أخيرا " المال",فالمرتزق يقبل على نفسه أن يحارب إلى صف من يدفع له المال, فلا عجب إن باع سلاحه وما يقع بيده من ذخيرة لمن يدفع له. وتواردت أنباء عن قيامهم بذلك حقا . ولكن المسئولية الجنائية تقع على من استأجر هؤلاء, ألا وهو القذافي. أما الثوار فلا أجد منطقا أو عقلا يجيز اتهامهم أو حتى مجرد الشك في قيامهم ببيع الأسلحة , فهم يصنّعونها بأيديهم , لعدم توفرها لديهم . هم يجمعونها لأنهم بأمس الحاجة لها. موقعهم يجعلهم يحتاجون فيه لكل قطعة سلاح. فلا عقل ولا منطق يبيح اتهامهم ببيع السلاح. ولهذا تأتي التقارير والأخبار غفلا من اتهام أي جهة وترك المتهم دون ذكر, ومحاولة الإيحاء بان المسئول هم الثوار.
5ـ الهجمة التي بدأت مؤخرا وتقودها قنوات المنار والعالم ومنهما تناقلت بعض مواقع الأخبار إن "برنارد هنري ليفي" الذي زار المناطق المحررة أنه نقل رسالة من المجلس الوطني الانتقالي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومفاد الرسالة وأنقلها هنا بين ظفرين :-
" إن النظام الليبي القادم سيكون معتدلاً ومناهضاً للإرهاب، يهتم بالعدالة في ما يخصّ الفلسطينيين إضافة إلى أمن إسرائيل". وأوضح الكاتب القادم من مدينة مصراته المحاصرة أن الرسالة تقول إن "النظام الليبي المقبل سيقيم علاقات عادية مع بقية الدول الديمقراطية بما فيها إسرائيل". ورداً على سؤال حول رد رئيس الوزراء قال ليفي"يبدو لي أنه لم يستغرب الرسالة، وأنه أيضا لم يعرب عن حسرته على معمر القذافي، أحد ألدّ أعداء إسرائيل".
وتم نشر ذلك تحت عنوان "ليفي ينقل رسالة من بنغازي إلى نتنياهو: ليبيا الجديدة معكم"
وهنا لا انفي أو أؤكد أن ليفي قال هذا او لم يقله , وقد يكون قال كلام يفهم منه انه يحمل "رسالة" للإسرائيليين ولكن وهذا من السخرية بمكان. فكلمة " رسالة " تعني أكثر من ورقة مكتوبة أو قول صريح ينقل . قد تعني انه ينقل ما أستوعبه من مجمل ما رأه من الثوار مع إضافة معتقده هو في الأمر .
فمثلا أقول إن "رسالتي هي نشر السلام ". فرسالة هنا ’ هل تعني خطابا أو توجيها أعطيته مباشرة من شخص أخر؟ أم المقصود بها شيء آخر؟ . وكل من عمل بالترجمة يعرف أن هنالك مشكلة أثناء ترجمة الكثير من الكلمات التي قد تحمل أكثر من معنى , ويمكن للمترجم بحسن نية أو بسوئها أن يغير معنى الكلام ويكون هو خارج المسائلة هذا أولا .
أما ثانيا فهو المضحك حقا, إن هذه الوسائل الإعلامية تدّعي أنها تناصب إسرائيل والصهيونية العداء. ولكنها تأمرنا أو لنقل تحثّنا, أن نأخذ ما يقولونه على انه الحق المبين الذي لا يأتيه الباطل من فوقه أو من تحته.
وبناء على أقوال وتصريحات وتسريبات هؤلاء (اللذين يدّعون كرههم ومعاداتهم) يحب أن نقرر توجهاتنا . فلوا كان ما نقله الأعلام الإسرائيلي عن ليفي صحيحا. ولو فرضنا جدلا إن ليفي قالها قاصدا. ألا يجوز أن نفكر من أنهم قالوها لتصل إلى آذاننا وننفض عن الثورة الليبية؟ لماذا يجب أن نأخذ جميع ما يرد في الأعلام الصهيوني والغربي كمسلمات بدون بحث أو تمحيص ؟؟؟
أول من بدأ هذا الهجوم هي وسائل الأعلام المقربة من النظام السوري , مثل قناة المنار وقناة العالم. وخلصت قناة المنار بناءا على المقدمة الخاطئة التي تعمدت أن تكون خاطئة , إلى أن ما يجري في ليبيا ليس بثورة. بل مؤامرة . وخصوصا ما ذكرته تلك المحطات من وصف القذافي بألد أعداء إسرائيل, وهو الذي تكلم عن إسراطين , وصرح أن سقوط نظامه تهديد لأمن إسرائيل . أما لماذا فعلوا ذلك ؟
لقد كانت تلك القناة وما سرى مسارها, تؤيد الثورة الليبية وتدعمها في بداية الأمر . فما الذي تغير ؟
الذي تغير هو أن نظام بشار الأسد العلوي يتهاوى ويسقط أمام إصرار الشعب السوري البطل.
كما ان الشعب العربي الأحوازي يثور الآن ثورته , مطالبا بحقوقه ويتعرض للسحق تحت آلة الدمار الإيرانية .
الأسد وإيران, ينسخان أفعال القذافي نسخا في ضرب المدنيين بالمدافع والراجمات وسحقهم بالدبابات. ويجب أن ينبري الأعلام الإيراني ووكلائه في العلم العربي للدفاع عنه. ولا يكون الدفاع عنه إلا بالدفاع صاحب حق الاختراع في هذه الأفعال , فكيف يجوز للأسد وخامئني أن يفعلا ذلك وينكروه على القذافي ؟؟
بالطبع نقلت وسائل الأعلام الليبية نفى الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني الانتقالي عبد الحفيظ غوقة صحة ما تناقلته وسائل الإعلام عن الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي قوله، إن المجلس حمله رسالة شفهية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقال إن هذا الخبر لا أساس له من الصحة، المجلس لم يحمل أي أحد رسالة إسرائيل”..”
بالطبع لن يغير هذا النفي شيء . فهم يعلمون ان الحادثة لم تحدث . ويعرف من يقيم هذه الحملة المنسقة على الثورة ’ إن ادعاءاتهم غير صحيحة بل هي تلفيق .
ولكن اطلب من كل من يحب ليبيا ويحب لها الخير أن لا يقف ساكتا أمام هذه الهجمات المنظمة التي تتعرض لها الثورة. من اتهام بالعمالة , والمراسلة مع إسرائيل, وبيع الأسلحة للقاعدة , وإهدار الثوار لحقوق الإنسان, وارتكابهم جرائم ضد الإنسانية .
(*) مفكر وكاتب مسلم عربي سعودي
المصدر: نشرة أخبار ثورة المختار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق