الأحد، 24 أبريل 2011

أعرف ليبيا.. « دار دار ... زنقة زنقة»!

منذ اندلعت الثورة الليبية في 17/2/2011 وأنا مداوم على متابعتها بشتى «الطرق والكباري» - على رأي المرحوم عبدالفتاح القصري - ظريف السينما المصرية في عهدها «الأبيض والأسود» - قبل الألوان..


ومنذ ذلك التاريخ لم تفتني شاردة ليبية ولا واردة «قذافية»..

خلال تلك الفترة تابعت جميع الصحف السيارة والطيارة وجميع نشرات الأخبار في التلفزيونات والإذاعات كافة.. وباختصار ضار.. التي تذيع وتكتب وتنشر بجميع اللغات الحية.. والتي مازالت في غرف الإنعاش والتي هي على وشك الموت.. والتي تحتضر.. والميتة المكفنة، ومن هي بلا كفن.. والمقبورة ومن تركت بلا لحد تتخطفها الضواري والطير الحوم..

ولقد أتاحت لي هذه المتابعة المستمرة معرفة كل شيء في ليبيا.. إلا شيئا واحدا ستعرفونه لاحقا..

عرفت مناطقها ومدنها وأقاليمها وموانئها ومطاراتها.. وعدد حبات رمال صحاريها وكثبان فيافيها وقافر قفارها وأخضر وهادها..

عرفت جبالها الشرقية التي تنشد أناشيد النصر.. وأختها الغربية التي تغني مواويل الصبر ناظرة النصر بعيون طمسها الدخان..

وصرت دليلا سياحيا «تخصص ليبيا» فمن طبرق إلى بنغازي ثم أجدابيا والبريقة وراس لانوف ومصراتة والزاوية وطرابلس وسرت وتاجوراء وجبل نفوسة والعديد العديد غيرها..
عرفتها «زنقة زنقة» و«دار دار» و«فرد فرد»..

وكذلك أتاحت لي هذه المتابعات معرفة الليبيين ولهجتهم التي اكتشفت أنها قريبة من لهجتنا كثيرا.. ما عدا لهجة القذافي والذي يتحدث لهجة «باب العزيزية» وهي على ما يبدو لهجة السوقة والدهماء والسابلة والضالين والمحنطين..

وعرفت أن أشهر أغنية وطنية عندهم هي التي تقول كلماتها.. «طز مرة ثانية.. أميركا وبريطانيا».. وهي من تأليف وتلحين وغناء «الثلاثي المرح» - معمر القذافي.

وأيضا عرفت المعارضين الليبيين الذين يترددون على الفضائيات ويتناوبون عليها بصورة تفوق بكثرتها كتائب القذافي ومرتزقته والذين كلما قتل منهم ألف ظهر مليون غيرهم.

مطلوب معارضون متفرغون

أرى المعارض ذاته في شاشة قطرية صباحا، وظهرا في شاشة انجليزية، وعصرا على أخرى تبث من دبي!

وأحيانا ينتقل المعارض نفسه من قطر ضيفا على «الجزيرة» ليطل مساء من شاشة «العربية» في دبي إطلالة مباشرة لا نقلا عبر الأقمار الصناعية..

ولو كنت مسؤولا في المجلس الانتقالي الليبي لنشرت إعلانا أطلب فيه معارضين ليبيين لسد حاجة الفضائيات إليهم.

وعرفت كذلك الإعلام الليبي «القذافي» الذي أبى - ولشدة إيمانه وحبه للقذافي - إلا أن يشاركه جنونه.. وتمثل هذا الجنون في مذيعة هبلة اسمها هالة وهي «كالة»..

هي حينا كالثور المحلوب.. وحينا كالبقرة العاقر..

لها وجه كوجه «القذافي» - معمر - ولسان كلسان «القذافي» - سيف - لسان قذاف للسم الكاذب.. يقذف السم ويشربه.. وأعتقد أنها تحب «القذافي» أكثر من حب «أحمدي نجاد» للسلاح النووي.. وأكثر من حب «الصبوحة» للزواج الشرعي.. وأكثر من حب «هيفاء وهبي» للستر..

وهذه المذيعة الهبلة.. وكدلالة على ارتجاجها العقلي قرنت تبنّي الأولاد الذي يحرمه الدين الإسلامي.. بتبنّي القرارات الدولية..

فقالت إثر «تبنّي» مجلس الأمن الدولي لقرار التدخل العسكري الجوي لحماية المدنيين في ليبيا.. كيف يتبنّى مجلس الأمن هذا القرار و«التبنّي» حرام في الإسلام؟ وكانت تعد لاستضافة ضيف يتحدث معها حول هذا الشأن.. ولكن الضيف ولما علم أنها ستناقشه في أمر تبني مجلس الأمن للقرار الدولي رغم أن التبنّي حرام! أغلق الخط وانصرف دون ان يتحدث وأعتقد أنه الوحيد العاقل وغير المجنون في معسكر القذافي.

بيت القصيد في بيت العقيد

أقول عرفت عن ليبيا كل هذا وأكثر.. ولكن الذي لم يتسن لي معرفته حتى الآن.. ولربما لن أعرفه حتى لو استمررت في هذي الحال من المتابعة للشؤون الليبية لقرن قادم هو دور «سيف الإسلام» ابن القذافي.. وما هي علاقته بالموضوع؟

عرفنا يا – سيف - أن أباك - حمّاه الله على نار هادئة - هو الزعيم والقائد وصاحب النظرية الثالثة ومؤلف الكتاب الأخضر وملك ملوك أفريقبا وعميد الحكام العرب وصاحب «زنقة» «زنقة» و«بيت بيت» و«دار دار» و«فرد فرد».. كل هذا عرفناه.. لكن أنت يا أخ سيف ما هي علاقتك بالموضوع؟

أخونا سيف يتصرف بالبلد بميانة كاملة.. فهو الذي يهدد بالحرب الأهلية.. وبحرمان المواطنين من النفط والغاز والخبز والزاد.. وهو الذي يتحدث باسم البلد أمام المجتمع الدولي.. وهو الذي يملك قرار الحرب والسلم.. وهو المخطط الاستراتيجي.. وهو الذي يقيل الوزراء ويعين بدلاء عنهم..

يفعل كل هذا دون أن نعرف له هوية سوى أنه «ولد معمر»..
و«ولد معمّر» هو نسخة مكررة في كل البلدان العربية الثورية..

رئيس القرنين

وقبله عرفنا «ولد صدام».. والذي كان مثله مطلق اليد يتحكم بالعراق كما يشاء ويقود الجيوش إلى الهزائم ويخطف البنات من الشوارع ويقتل مرافقي والده..

وكذلك عرفنا «ولد رئيس القرنين في اليمن».. والذي له فعل سابقيْه من صلاحيات مطلقة وعبث في مصير البلاد..

أما قصة «رئيس القرنين» فهذه ليست من اختراعي بل هي لأحد الموالين للرئيس اليمني والذي قال: «علي عبدالله صالح» حكم اليمن خلال القرن العشرين وان شاء الله يستمر حكمه على مدى القرن الحادي والعشرين!
وأنا أضم صوتي إلى صوته وأقول آمين.. وأمنيتي إلى جانب أمنيته.. وعموما لم يبق كثير على نهاية القرن الحادي والعشرين.. وكلها تسعة وثمانون عاما وينتهي.. وما على الإخوة اليمنيين سوى التحلي بالصبر.. فـ «الراجل ماشي ماشي» وليس من داع للعجلة لأن الشعار المروري يقول «في العجلة الندامة».. والرجل يخشى لو أنه قام عن الكرسي على عجل أن تزل قدمه.. و«الراجل ياشيخ مش ناقص زلات»..

البشير مش حيطير

ويا أيها اليمنيون.. افعلوا مثل إخوانكم السودانيين والذين يؤجلون مظاهراتهم ضد البشير يوما في إثر يوم.. بحجة أن رئيسهم «البشير» موجود «مش حا يطير».. «سيبه يازول بكرة نتظاهر»..

وأيضا عرفنا «ولد حسني».. وهو الآخر له قصص ونوادر وحكايات وسوالف ومطولات.. وكان (شديد التواضع والتباسط.. ويده طاهرة عفيفة نظيفة).. يكتفي أحيانا بالمليار ولا يزيد.. وأحيانا يزيد ولا يكتفي حسب الجو والطقس والصفقة.. والمصفوق!

في الأيام الأولى لاشتعال الثورة المصرية والتي كان يظن أنها «لعب عيال» و«كلها كام يوم وحيمشوا الولاد» قال له أحد الصحافيين: هل ستتحدث مع شباب ميدان التحرير؟

فنظر إليه باستهزاء وبابتسامة ساخرة موجها حديثه لمرافقيه قائلا لهم بالحرف الواحد: حد يرد عليه يا اخوانا.. ولغة الاستهزاء واضحة بيّنة جليّة..

ولا أدري ماذا سيقول الآن وبعدما كبلت يداه وصفدتا بالحديد وسيق سوق الخراف إلى ساحة العدالة هو وأخوه الذي له - من سوء أخيه وأمه وأبيه - نصيب وأي نصيب ليساءلا عن أموالهما التي اغترفاها من أفواه المصريين وجرائمهما التي اقترفاها بحقهم ثم يزجّ بهما في السجن «زجّا زجّا» - مع رجاء بعدم قراءة «الجيم» بالطريقة المصرية!

يبدو أن «مامي سوزان» لم تعلمه أن الدنيا دوّارة.. وأنها كالخيارة «يوم بإيدك.. ويوم.. بـ.. بقّك».. و«البُق» حسب اللهجة المصرية هو الفم لا شيء آخر!

مكسور وموزون

وهذا «شعر» مكسور.. يتوافق مع المناسبة التي قيل فيها..

و«شعور» موزون في وقت اختلال الموازين الذي يهتف فيه الشعب للرئيس «بالروح بالدم نفديك» بينما المفترض في الرئيس أن يفدي شعبه بروحه لا العكس! لكن عند عربان الجمهوريات الثورية.. العكس - دائما هو الصحيح..
لا روحٌ فدتك.. ولادمُ..
ولا قلامةُ ظفرِ فدتكَ.. ولا قدمُ..
ولا جراءُ كلبة.. فدتك ولا صنمُ..
ولا قرطاسٌ يفديك ولا قلمُ..
أنت أيها الرخيصُ.. رخيصٌ..
لا ندىً فيك ولا كرمُ..
أبوك عارٌ.. وانت ابنُ العار..
عاران في واحد.. ؟ ذاك الذي ما قط عرفته الأممُ..
اسمك.. ما اسمك؟
«صدّام»؟
«معمّر»؟
«عليٌ» أنت في «يمنٍ».. وفي الخضراء أنت «ابن عليٍّ»؟
«حسني» لبس حلة الفرعون..
وأكل عرائس النيل..
وفي الشام أنت «الصبي»..
رئيس في «اللفة»

ولعل أطرف الرؤساء الثوريين العرب وأظرفهم وأكثرهم حظا.. هو صاحبنا ذاك الذي جيء به من «المهد» إلى كرسي الرئاسة في سابقة تاريخية لا أظنها حدثت حتى في بلاد «الواق واق» ولا في بلاد تطير أفيالها وتحيض آسادُها..

وصاحبنا المحروس.. فخامة الرئيس وأبو الرؤوس.. لم يسبق له أن زاول أي نوع من الأعمال.. ولا حمل الأحمال.. ولا عانى من الأهوال..

ولم يتدرج في السلم الوظيفي ولا السياسي ولا الحزبي كتوطئة طبيعية ومنطقية لرئاسة الدولة.. ولكنه - وكما نقول في لهجتنا - «جك بك» صار رئيسا.. أي أنه صار رئيسا على حين غرة.. وبذلك يكون أول إنسان في العالم يبدأ حياته العملية والوظيفية كرئيس للجمهورية!

ولا أدري هل دونت موسوعة «غينيس» هذه السابقة في صفحاتها أم لا؟ وإن لم تفعل فعليها المسارعة لتصحيح هذا الخطأ التاريخي.

One way

الناس في بلاده يبدأون من الصفر.. دراسة وكد وتعب ليحصلوا على وظيفة بدريهمات قليلة.. يعانون ويشقون ويتغربون.. يسهرون الليالي في ظلامات العذاب والانتظار من أجل أن يؤمنوا «جبنة وزيتون»..

منهم عباقرة ومثقفون وأساتذة جامعة وأساطين سياسة واقتصاد وقانون وفلسفة.. وبحور في علوم عدة.. تنهب السنون أعمارهم.. تشيب رؤوسهم.. ويحني الدهر الظالم ظهورهم.. وما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالكد والتعب والسهر..

أما صاحبنا فإن «أمه داعية له».. «من اللفة إلى الرئاسة» - one way - دون المرور بـ «وجع الراس» والوقوف في الطوابير من أجل البحث عن وظيفة وتسلسل وظيفي و«تعا ولا تجي»..

مادام الولد يسير ببركة «دعاء الوالدين».. أو دعاء «الوالدة» - وهذا كاف - فهو إذن ليس بحاجة لغير ذلك.. لاسيما أن هذا «الدعاء» يوصل إلى رئاسة الجمهورية..

وأنا على يقين بأن كل الأمهات في تلك البلاد دعون لأبنائهن بالدعاء ذاته.. وبالتأكيد أنهن كلهن رفعن أيديهن وابتهلن إلى الله أن يجعل أبناءهن رؤساء، ولكن ليس للجمهورية لأن مثل ذلك الدعاء محظور ويعاقب عليه القانون بالحبس لمدة قرنين أو الإعدام شنقا - أيهما أقرب.

يكفي رئاسة فرن مثلا أو رئاسة مطعم أو رئاسة نقابة «الهتيفة العرب»..
ولكن السيدة والدة السيد الرئيس هي التي يقبل دعاؤها ولم يُتقبل من الأخريات..
والرجاء إعادة المحاولة وأعتقد أن الفرصة مواتية هذه الأيام بالذات!

قاتل الله الحسد

و«الولد» على ما يبدو محسود.. وعيون الحساد لم تدعه يهنأ بمنصبه وكرسيه.. فتكالب عليه المتآمرون من كل حدب وجدب وجنب..

الشعب متآمر.. وجار اليمين متآمر أيضا.. وكذلك جار الشمال.. وجار الغرب.. ومثلهم جار الشرق.. ومن أعلى ومن أسفل..

فجأة احتشد الحساد والمتآمرون والشامتون.. وظهر «الشبيحة» من باطن الأرض.. وبرز «الزعران» من شقوق الجبال.. وأمطرت الحدود أسلحة لصيد طيور الربيع.. ولكنها تنطوي على مؤامرة صهيونية إمبريالية..

إنه الحسد والشماتة في هذا الولد المسكين الذي كاد له الحساد والعواذل.. ولم يتركوه يهنأ بالرئاسة، وعلى ما يبدو فإنه بحاجة إلى دعاء جديد من «ماما» لصرف الحساد والشامتين والمتآمرين والزعران والشبيحة وكل من لايقول «بالروح بالدم نفديك»..
  
الأنباء الكويتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق