السبت، 2 أبريل 2011

التغيير يهز العالم العربي ليبيا : الحل الأنسب .. "السلمي"

باريس - حسن الحسيني: في مطلع القرن العشرين، عندما أعلنت فرنسا ولادة لبنان الكبير وسلخت عن سوريا البلقان والجنوب والشمال، تمرد جزء من اللبنانيين، وفي طليعتهم زعماء الإقطاع والعائلات الكبرى، على القرار الفرنسي وساندوا الثورة في سوريا.
وكان من نتيجة ذلك أن لجأت سلطات الإنتداب الفرنسي الى «اختراع» زعمات جديدة لدى عائلات أقل شأناً. وهكذا وجد أحمد بك الأسعد نفسه مضطراً لترك الثوار والحفاظ على مواقعه في لبنان الكبير.

وفعل آل حيدر الشيء نفسه، عندما انضم هولو حيدر الى الثوار، وكذلك فعلت الست نظيرة جنبلاط، والدة كمال جنبلاط، بعد وفاة زوجها. فنجحت فرنسا في تعزيز دعائم لبنان الكبير، ولكن ما إن نال لبنان استقلاله حتى عصفت به الأزمات الإقليمية والحروب الداخلية.

إعادة التاريخ

بعد حوالي قرن من الزمن، تترك فرنسا وبريطانيا، الدولتان المنتدبتان على منطقة الشرق الأوسط ودولها، الانطباع أنهما تلجآن الى نفس الأسلوب في ليبيا.

فالبلدان كانا وراء صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 ويشاركان بكثافة في عمليات القصف التي تستهدف ليس فقط قوات العقيد الليبي معمر القذافي، التي تهدد السكان المدنيين والثوار المتمردين على السلطة، بل وتهدف أيضاً الى تدمير البنى التحتية العسكرية للزعيم الليبي.

وعشية انعقاد اجتماع لندن حول ليبيا، الذي بحث موضوع إيجاد حل للأزمة السياسية في ليبيا، وتشكيل مجموعة الاتصال حول القضية، دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون العقيد الليبي للرحيل فوراً، كما دعا مناصري هذا الزعيم الى التخلي عنه قبل فوات الأوان، وطلبا من المجلس الوطني الانتقالي إجراء حوار سياسي وطني مع جميع الليبيين الذين يعتبرون أن القذافي يدفع ببلادهم الى الكارثة.

ولتوضيح صورة ما تسعى إليه واشنطن ولندن وباريس، استبق وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه صدور البيان بالقول إن مجموعة الإتصال الخاصة، التي شكلها مجلس الأمن، ستعمل على الدفع لتحقيق هذا الحوار، خصوصا مع السلطات القبلية التي تلعب دوراً اجتماعياً مهماً مع المجلس الوطني الانتقالي.

مفاجأت على الأرض

وبعد مؤتمر لندن أعلنت العواصم الثلاث عن امكانية تسليح المعارضة الليبية، علماً أن هناك خطراً على إرسال الأسلحة إلى ليبيا. وبات واضحا أن الدول الغربية الثلاث تعمل على الإطاحة بالزعيم الليبي عسكريا، بشكل غير مباشر من خلال التلطي خلف الثوار، وخلف القول بإنها تتدخل لحماية الشعب الليبي من وحشية القذافي. وأحيانا بشكل مباشر من خلال قصف باب العزيزية مقر اقامة القذافي، ومع توجيه الدعوات للعقيد الليبي للتنحي.

ومع الحديث عن نفيه من ليبيا، وتقديمه لمحاكمة، شنت القوات الموالية للقذافي هجوما مضادا باتجاه الشرق، استعادت خلاله مدن رأس لانوف والبريقة وأجدابيا في سرعة هائلة. وأظهر تحرك قوات القذافي هشاشة الثوار، وأيضا المأزق الذي تجد فيه الدول الثلاث نفسها.

فهذه الدول راهنت على شل قدرات القذافي العسكرية عبر تحقيق قواتها تقدما سريعا على الأرض والوصول الى طرابلس تحت غطاء الضربات الجوية المركزة والمكثفة. لكن، وبعد حوالي أسبوعين من بدء الضربات الجوية بدت قوات القذافي متماسكة، وقادرة على شن الهجوم المضاد. وبدأ بعض الثوار على الأرض الميدان يتساءلون عن جدوى الدعم الغربي، وطلب قوات التحالف من الثوار التوجه لقتل القذافي في طرابلس من دون الغطاء الجوي، أي من دون ضربات التحالف لقوات القذافي.
  
وعدم قدرة الثوار على التقدم باتجاه طرابلس، وثبات القوات الحكومية حول العقيد القذافي بعد أسبوعين من الضربات، يمكن أن يهدد بالاسوأ، أي إما بتقسيم ليبيا، أو اضطرار قوات التحالف الى إرسال قوات على الأرض، وبالتالي التورط في رمال الصحراء الليبية. وهذا ما لا ينص عليه قرار الأمم المتحدة.

مخاطر مبيتة

والأطلسي أكثر تعقلا من السادة أوباما وساركوزي وكامرون، كما أن تصاعد القصف ضد قوات القذافي وثكناته بعيدا عن المدن المهددة بالمجازر، بالإضافة الى الحديث عن تسليح الثوار، لا يعكس فقط المأزق الذي يمكن أن تجد الدول الثلاث نفسها فيه، وإنما يثير أيضا الانقسام داخل المجتمع الدولي وداخل الائتلاف نفسه. فبالإضافة الى اتهام روسيا لقوات التحالف بالتحول الى الذراع العسكرية للثوار، وتحذير بكين من أن الضربات الجوية قد تشكل خرقا لقرار الأمم المتحدة، وإعلان ثلاث دول في أميركا الجنوبية لمعارضتها للقصف الجوي الغربي، بدأ الخلاف داخل الائتلاف، حيث حذرت روما من مغبة تسليح الثوار وأعربت النرويج والدانمرك وبلجيكا عن رفضها لمثل هذه الفكرة. وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن إن العملية في ليبيا هي لحماية المدنيين وليس لتسليحهم، كما أن رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان قال بدوره إن مثل هذه الخطوة تنطوي على الكثير من المخاطر لأنها قد تزيد الأمور سوءا في منطقة هشة (مالي، تشاد، والنيجر). وذكر دوفيلبان بالتجربة الأميركية مع تسليح حركة طالبان في أفغانستان.
وأكمل هذه الصورة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي راسموسن عندما أعرب عن أمله في التوصل الى وقف لإطلاق النار بأسرع وقت.

مخاطر التقسيم

وفي حال فشل التحالف في القضاء على القذافي فإن تفكك ليبيا وتقسيمها يمكن أن يصبح مرتعا للقاعدة. فالقائد الأعلى للقوات الحليفة في أوروبا الأميرال الأميركي جيمس ستافريدس أعلن أن الحلف رصد إشارات عن وجود محتمل لناشطين في القاعدة ومن حزب الله في صفوف الثوار.

وقال إن أسوأ السيناريوهات في ليبيا هي أن تصبح بلدا مفككا يغذي التطرف والإرهاب. وأضاف أن الحل الأنسب هو حل سلمي وانتقال سلمي للسلطة نحو ديموقراطية دائمة. ولكن هذا الحل يبقى ضمن الأماني، فكيف يمكن التوصل الى حل وقسم من الليبيين في الجيش والمجتمع والقبائل يؤيد القذافي؟ وهل القصف الجوي الغربي سيؤدي الى ولادة الديموقراطية؟ وهل القذافي على استعداد للرحيل؟ حتى ولو اتفقت الدول الخمس والثلاثين التي شاركت بمؤتمر لندن يوم الثلاثاء الماضي على المطالبة برحيل القذافي، علما بان هذا الهدف ليس مدرجا في قراري الأمم المتحدة حول ليبيا.

وإذا كان الرئيس الأميركي يتحدث عن وحدة المجتمع الدولي في ليبيا فإن هذا الكلام يفتقد الى الموضوعية، فالاتحاد الأفريقي لم يشارك في مؤتمر لندن، علما بأن واشنطن أعلنت انها تدعم مبادرته لحل الأزمة في ليبيا. كما أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لم يشارك فيه وأرسل مدير مكتبه. هذا علما بان الحضور العربي في المؤتمر كان هزيلا واقتصر على قطر والإمارات والأردن.
والرئيس الأميركي خلال توجهه للأميركيين في مطلع الأسبوع تجنب الحديث عن نهاية الحرب، واكتفى بالقول ان القيادة ستنتقل الى الأطلسي.

الأزمة ستطول

وفي باريس لا أحد يتجرأ على تحديد موعد لنهاية هذه الحرب ولا لاستسلام القذافي أو رحيله عن السلطة.

والمسألة الأكيدة هي أن التصريحات المتناقضة لوزير الخارجية الفرنسي، تعكس مدى التخبط. فقد بدأ يقول في بداية الضربات الجوية إنه يجب التفكير مليا قبل أن يتدخل الأطلسي في ليبيا. وإن تدخل الحلف الغربي سيؤدي الى سوء فهم في العالم العربي. بعد ذلك قال إن مجموعة الاتصال التي ستشكل ستتولى الإشراف ع‍لى العمليات العسكرية. وأخيرا قال إن الأهداف في ليبيا لن تكون من مسؤولية مجموعة الإتصال التي أنشئت الثلاثاء الماضي، ولكن من مسؤولية حلف الأطلسي.

وعلى غرار الولايات المتحدة ولندن، عاد جوبيه ليقول ان التخلص من العقيد الليبي يعود لليبيين. ولم يحدد وزير الخارجية الفرنسي موعدا للاجتماع المقبل لمجموعة الاتصال الدولية حول ليبيا، وربط انعقاد الاجتماع بالتوصل الى اتفاق بين دول المجموعة، وفي اليوم التالي لمؤتمر لندن ظهر الانقسام علنا حول قضية تسليح المعارضة كما اشرنا.

وهذا يعني ان حل الازمة في ليبيا لم يعد مسألة اسابيع، كما كان يراهن قادة الدول الثلاث، اي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بل انها قد تأخذ اشهرا، وتكبر معها القضايا، خاصة السكان المدنيين في المدن التي تحولت لساحات للحرب، تشهد عمليات الكر والفر، وايضا في طرابلس، وقد تكون المشكلة الانسانية بين انصار المعارضة والمتمردين، وايضا في صفوف المؤيدين للقذافي اكبر مما كانت تتوقعه الدول الثلاث. ففي العاصمة كما في المناطق المحررة، يعاني الجميع من نقص الدواء والمحروقات وانقطاع التيار الكهربائي.

ويخشى المراقبون من انزلاق الدول الغربية أكثر فأكثر في ليبيا، بانتظار ان يقدم ضابط على اطلاق رصاصة الرحمة على الزعيم الليبي، او ان يقدم ضباط كبار على الانشقاق لحسم المعركة لمصلحة الثوار، وحديث وزيري خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون وفرنسا آلان جوبيه عن حصول انشقاقات في اوساط القذافي قد يكون للتشجيع على مثل هذه المسألة التي يمكن الا تحصل، فاعتبارا من امس الاول انتقلت قيادة العمليات العسكرية الى حلف الاطلسي الذي اكد باستمرار انه سيلتزم بتطبيق قرار مجلس الامن الدولي المتعلق بحماية المدنيين، وهذا يعني ان طبيعة الضربات الجوية ستتغير بالمقارنة مع غارات التحالف، وخاصة الاميركية والبريطانية، وثكنات عسكرية لا تهدد المدنيين، كما انها استهدفت مقر العقيد الليبي.

القبس الكويتية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق