الأربعاء، 16 فبراير 2011

رشيد خشانة: هل تكون ليبيا القطعة الثالثة في دومينو الزلازل العربية؟

قال شاهد عيان وصحيفة محلية في ليبيا إن حشدا من الغاضبين لاعتقال ناشط حقوقي اشتبك الليلة الماضية (15 فبراير) مع الشرطة ومؤيدين للحكومة بمدينة بنغازي في شرق ليبيا مما أسفر عن اصابة 14 شخصا. وقال التلفزيون الرسمي إن هناك مسيرات مؤيدة للزعيم معمر القذافي تجوب أنحاء البلاد يوم الاربعاء 16 فبراير.
وجاء في الطبعة الالكترونية لصحيفة "قورينا" الليبية الخاصة التي يقع مقرها في بنغازي أن المتجمهرين "كانوا يحملون قنابل مولوتوف" وأنهم "رشقوا الشرطة بالحجارة". وأضافت أن المحتجين تجمهروا أمام مبنى مديرية أمن بنغازي مطالبين بالافراج عن الناشط فتحي تربل ثم توجهوا الى ميدان الشجرة حيث اشتبكوا مع أفراد الشرطة ومؤيدين للحكومة. وقالت إن الاشتباك لم يستمر طويلا وأن مؤيدي الحكومة أخرجوا المتجمهرين من الميدان.

ونقلت الصحيفة عن مدير مستشفى الجلاء ببنغازي قوله انه سقط 14 مصابا "ثلاثة منهم من المخربين وعشرة من رجال الامن"، على حد قوله. وأكدت الصحيفة أن "الفعاليات الشبابية" الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي في مدينة بنغازي "أنهت ليلة البارحة مواجهات قصيرة مع مجموعة من المخربين قاموا بحرق وتهشيم سيارات للمواطنين وحاولوا إتلاف ممتلكات عامة وقطعوا الطريق على المارة"، مشيرة إلى أن قوات الامن تدخلت بعدما دارت اشتباكات بين الطرفين.

وقال أحد سكان بنغازي في اتصال أجرته وكالة رويترز إن المشاركين في الاحتجاج أقارب نزلاء بسجن أبو سليم في طرابلس والذي يوضع به عادة المعتقلون من المتشددين الاسلاميين والمعارضين للحكومة.

وصرح شاهد طلب عدم ذكر اسمه لرويترز "الليلة الماضية كانت ليلة سيئة"، وأضاف "كان هناك نحو 500 أو 600 شخص وتوجهوا إلى اللجنة الثورية (مقر الإدارة المحلية)... وحاولوا دخول اللجنة الثورية المركزية... وألقوا بالحجارة"، وتابع قائلا "الوضع هادئ الآن".

وعرض التلفزيون الرسمي لقطات لحشد من مؤيدي الحكومة بالعاصمة الليبية. وردد المحتشدون هتافات تتهم قناة الجزيرة التلفزيونية ومقرها العاصمة القطرية بنشر "أكاذيب".

وكانت صحيفة "المنارة" ذكرت على موقعها على الانترنت تجمع افراد من عائلات السجناء الذين قتلوا عام 1996 في اشتباك في سجن بوسليم في طرابلس امام مركز الشرطة في بنغازي للمطالبة بالافراج عن منسق شؤونهم المحامي فتحي تربل.

وأفاد موقع صحيفة "قورينا" المقربة من سيف الإسلام نجل العقيد القذافي أن تربل الذي لم تعرف أسباب اعتقاله، أفرج عنه بضغط من العائلات لكن الحشود لم تغادر المكان وانضم أشخاص آخرون الى التظاهرة ما دفع بقوات الأمن إلى تفريقهم بالقوة كما ذكر موقع "ليبيا اليوم".

وردد المتظاهرون هتافات مناهضة للنظام مثل "بنغازي استيقظي، انه اليوم الذي تنتظرينه" و"دم الشهداء لم يذهب هدرا" او "الشعب يريد إسقاط الفساد" كما ذكرت وسائل الإعلام تلك.

وبعيد ذلك، تظاهر مئات المؤيدين للنظام في بنغازي، ثاني مدينة في البلاد، على بعد الف كلم شرق طرابلس وكذلك في سرت (شرق) وسبها (جنوب) وطرابس بحسب المشاهد التي بثها تلفزيون الجماهيرية الرسمي.

على صعيد آخر، قال ناشط حقوقي لرويترز إن ليبيا ستفرج يوم الاربعاء 16 فبراير عن 110 شخصا معتقلين لانتمائهم لجماعة متشددة محظورة. وقال محمد طرنيش رئيس جمعية حقوق الانسان في ليبيا لوكالة رويترز: "إن المعتقلين هم آخر أفراد من الجماعة المحظورة مازالوا محتجزين وأنه سيطلق سراحهم من سجن أبو سليم في طرابلس".

"ضربتان" و"سندويتش"
فرّ بن علي وتخلى مبارك.. ضربتان على الرأس جعلَـتا نظام العقيد معمر القذافي يترنّـح ويكاد يفقِـد السيطرة على الأمور، بعد 42 عاما متّـصلة من الجلوس على أريكة السلطة في طرابلس. واليوم يمكن تشبيه حالة ليبيا، بعد ثورتَـي تونس غربا ومصر شرقا، بأنها "وضع السندويش"، كما قال لـ swissinfo.ch الأكاديمي المصري سيف الدين عبد الفتاح. وما يُؤجِّـج مخاوف الزعيم الليبي، أن المعارضة حدَّدت يوم الخميس المقبل 17 فبراير موعدا لتحرُّكٍ واسع، يقتدي بما صنعه التونسيون والمصريون من انتفاضات، أسفرت عن الإطاحة بأنظمة استبدادية.

من المفارقات، أن الحكومات التي يؤلِّـفها ويُفكِّـكها العقيد القذافي، مثل لُـعبة القطع المتلاصِـقة، وصلت في الفترة الأخيرة إلى أعلى درجات الإنفتاح الإقتصادي، التي لم يكن المراقبون يتوقَّـعونها في الماضي. فهذه شركة "أزامارا" الأمريكية المتخصصة في السياحة البحرية، تضم ليبيا إلى قائمة وجهاتها القادمة، من أجل تنظيم رحلات منتظمة إلى الموانئ الليبية بداية من العام المقبل، إثر تزايُـد عدد سياح الولايات المتحدة الراغبين في الإطلاع على المدن الأثرية المنتشِـرة على طول الساحل الليبي. وبذلك، ستفتتح "الكريستال" أول خط سياحي بحري يربط بين الولايات المتحدة وليبيا.

أما المجموعة الفندقية العالمية "جي دبليو ماريوت"، فتستعدّ هي الأخرى لافتتاح أول فندق لها في طرابلس، ما يدُل على تسارُع نسق الإنفتاح الإقتصادي، إلا أنه غير متزامن مع أية خطوة مماثلة على الصعيد السياسي. وتومئ مؤشرات عدّة إلى أن الزعيم الليبي يأخذ الثورتيْـن، المصرية والتونسية، مأخذ الجدّ. فقد وزّع محافظات البلاد إلى مناطق كلَّـف أبناءه بإدارتها، تحسُّـبا لأي طارئ.

وحاول في الوقت نفسه توخّـي أسلوب الترغيب، فاستدعى محطة تليفزيونية تونسية خاصة ليحاول محْـو تصريحاته الغاضبة السابقة من الثورة التي عصفت بصديقه الحميم زين العابدين بن علي. وكانت مصادر تونسية أكّـدت أن بن علي كان يحتفظ بعلاقات خفِـية مع القذافي منذ كان الأول مديرا للمخابرات العسكرية التونسية، إذ أن القذافي هو الذي اقترحه لمنصب وزير الأمن في حكومة الوحدة المعلنة في يناير 1974 بين تونس وليبيا، ما حمل رئيس الوزراء التونسي آنذاك الهادي نويرة على عزله وإرساله إلى الملحقية العسكرية في سفارة تونس بالرباط.

قبضة الأجهزة
ما كان ممكنا أن يستمر القذافي في السيطرة على الوضع الليبي، في ظل الأجواء الثورية في كل من تونس واليونان من دون تشديد القبضة الأمنية، والتي من تجلِـياتها اعتقال الصحفي والمدوِّن جمال حجِّـي وفرض رقابة شديدة على الحدود مع البلدان المجاورة.

وأبدى مؤخرا عشرات المسافرين الجزائريين الذين يقصدون من حين لآخر ليبيا، انزعاجا من الضريبة التي ألزمتهم المخابرات الليبية بدفعها. فصاحب السيارة مثلا مُـطالَـب بدفع ضريبة مقدرة بـ 150 دينارا ليبيا، أي ما يعادل 12 ألف دينار جزائري في السوق الموازية، بالإضافة إلى ضرورة الاستظهار بـ 700 يورو، من أجل المرور من المركز الحدودي رأس الجدير الواقع بين تونس وليبيا.

وحسب صحيفة "الشروق"، لا يقتصر الأمر على التجّـار، بل يشمل السياح كذلك أو حتى الذين يقصدون ليبيا بُـغية الإطلاع على أحوال أبنائهم وعائلاتهم المُـقيمة هناك. وما زاد من غضب الجزائريين، أن الليبيين تراجَـعوا مؤخَّـرا عن تطبيق هذا الإجراء على التونسيين، بعد تدخل السلطات التونسية لصالح مواطنيها، في حين بقِـيَ ساريَ المفعول على الجزائريين، رغم الوعود برفعه. ولم يستبعد محللون اتخاذ التجار الجزائريين قرارا بمقاطعة الأراضي الليبية وتحويل كل معاملاتهم التجارية نحو تونس أو تكليف وسطاء تونسيين بجلب بضائعهم من ليبيا، وهو الأمر الذي قد يكلِّـفهم اقتصاديا كثيرا.

ولعب الكشف عن وثائق ويكيلكس دورا مُـهمّـا في إطلاع الليبيين على حقائق لم يكونوا يعرفونها من قبل أو اطلعوا عليها، لكن لم يعرفوا عنها الحقائق التي أماطت اللِّـثام عنها (تلك الوثائق). وتحدثت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان التي تعمل من الخارج، عن وجود "تململ شمل قطاعات عريضة من المواطنين في مختلف المناطق والمدن، في سياق تداعيات أحداث تونس ومصر"، مثلما جاء في بيان أرسلت نسخة منه إلى
swissinfo.ch
.

وعلى هذا الأساس، أطلق شباب ليبيون على الشبكة الاجتماعية نداءً إلى الشعب الليبي لتنظيم وقفات احتجاج بعد غد، إحياءً للذكرى الخامسة لمجزرة تعرّض لها شباب بنغازي في مثل ذلك اليوم، أمام القنصلية الإيطالية أثناء الاحتجاج على تصريحات للوزير الإيطالي المتطرّف كالدروني، حضّ خلالها على استخدام العنف ضد المسلمين.

وعلى رغم أن المظاهرة كان مرخَّـصا لها، فقد واجهتها "اللِّـجان الثورية" والأجهزة الأمنية بالرّصاص، ما أدى إلى مقتل 17 شابا وجرح عشرات، توفي منهم لاحِـقا عشرة متأثرين بجراحهم.

ويُشدِّد الدّاعون إلى هذه التحركات على طابعها السِّـلمي، في إشارة إلى أنها مختلفة عن المواجهات التي عرفتها ليبيا في الماضي والتي جعلت كثيرا من المعارضين يلجأون إلى وسائل عنيفة لمواجهة الحُـكم، وخاصة في العقديْـن الأخيرين. وترمي تلك الوقفات، إلى المطالبة بإخلاء سبيل سُـجناء الرأي وإطلاق الحريات ووضع حدٍّ لإلغاء الدستور وتهميش القضاء، وهي مطالِـب تتطابق مع ما رفعه التونسيون والمصريون من مطالب قبلهم.

غير أن الأجهزة الأمنية انطلقت منذ الآن في حملة استباقية، شملت بحسب الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، النشطاء جمال الحاجي وعلي عبد الونيس وصفي الدين هلال الشريف، وسط استنفار شامل لتلك الأجهزة لاستخدام العنف، على حد ما قالته الرابطة. ولم يكتف الحُـكم بتخريب كثير من المواقع على شبكة الإنترنت، وإنما حذّر العقيد القذافي شخصيا الإعلاميين الذين اجتمع معهم أخيرا من مغبَّـة المشاركة في أية وقفات محتمَـلة ضدّ النظام.

تداعيات مؤكدة
على رغم تلك الاحتياطات الأمنية، يعتقد المعارض الليبي علي الترهوني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سياتل الأمريكية، أن ثورتيْ تونس ومصر، ستكون لهما تداعِـيات أكيدة في ليبيا، إلا أنه أوضح في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أن نظام الحُـكم في ليبيا استطاع على خلاف جاراتها مصر والجزائر وتونس، أن يقضي على كل المؤسسات السياسية والدِّينية وحتى النوادي. ورأى أن "البنية السياسية ليست قوية في مقابل حالة احتقان مرتفعة منذ فترة طويلة"، متسائلا: هل يؤدّي ذلك إلى تفجير الأوضاع؟ مجيبا: نعم، لكن هل بحجْـم ما جرى في تونس ومصر وهل سيستمر الزَّخَـم ولا يتم القضاء عليه؟".

وأكد الناشط السياسي إبراهيم جبريل المقيم في الدوحة، أن ما حصل في تونس ومصر أحْـيى الأمل بإحداث تغيير سِـلمي، وقال لـ
swissinfo.ch، إن التونسي محمد البوعزيزي حرّر الإنسان العربي وأطلق فكره من العِـقال، بعدما كان الناس يعتقدون أن وسائل التغيير محدودة، وهي الوسائل العنيفة. وأشار إلى أن الشباب بالذات تعلَّـم أن هناك أساليب أخرى لقهر الجبابِـرة، ولذلك وجّـه الشباب الليبي في الخارج دعوات إلى أقرانهم في الداخل، وخاصة في الجامعات وبالأخص في بنغازي، من أجل صحوة ضمير. ورأى أن "الشباب الليبي في الخارج صار هو الصوت الذي يتحدّث من خلاله شباب الداخل".

أما علي الترهوني فاعتبر أن "مبادرة 17 فبراير ستكون بداية التحرّك"، مُعربا عن تفاؤله بأن "العدّ التنازلي في ليبيا بدأ، مع فارق وحيد بين ليبيا والبلدان العربية الأخرى، هو ربما سرعة الإيقاع". ومن هذه الزاوية، يُركز الترهوني على أن "حالة الاحتقان في ليبيا مماثلة لجارتيْـها الشرقية والغربية، إن لم تكن أكثر على امتداد أكثر من أربعين عاما. فالنظام هنا قام بما لم تقُـم به الأنظمة المجاورة، إذ ورّط البلاد في حروب وأعْـدَم معارضين في السجون، بالإضافة إلى انتشار الفقر. ففي تونس ومصر، كان الحكّـام يتعلَّـلون بمحدودية الموارد، بينما يرى المواطن في ليبيا ثرواته تُهْـدر، فيما يرتفع معدّل البطالة إلى ما لا يقل عن 20%، بحسب البنك الدولي"، ولذلك فالشباب المتخرج من الجامعات يهيم في الشوارع مكسور الكيان، فاقدا للأمل. ولم يترك القمع السياسي لهؤلاء الشباب أي هامش يمكن أن تعبر من خلاله الطليعة عن أفكارها".

واستدل الترهوني بقِـطاع الصحة، متسائلا كيف يمكن أن تكون مستشفيات ليبيا، البلد النفطي الرئيسي، خاوية، بينما مستشفيات البلدان الفقيرة المجاورة تعجز عن استقبال المرضى الليبيين المقبلين عليها؟". واعتبر أن حُـكم العقيد القذافي "أنهى أيضا قطاع التعليم".

خطوة أولى؟
واعتبر الناشط السياسي إبراهيم جبريل، المقيم في الدوحة، أن الوقفات المقرّرة ليوم 17 الجاري، هي "خطوة أولى"، مُـنبِّـها إلى أن الحُـكم يتحرّك حاليا على محوريْـن: أولهما، وضع أجهزة الأمن في أعلى درجات التأهب، خاصة في المناطق الشرقية وتكليف أبناء العقيد القذافي إدارة المناطق وِفقا لتقسيم غير تقليدي للبلاد. والثاني، هو اللقاءات المألوفة مع قطاعات مختلفة لامتصاص الغضب، لكنه رأى أن "القذافي وعد بكل ما يمكن أن يعِـد به ووزع عطايا على مناطق، خاصة في الجهات الشرقية، التي لم يلتفت إليها منذ 25 سنة".

وأشار إلى "اللجوء لمنح قروض من دون فوائد للمحتاجين وتوظيف بعض الشباب لشراء سكوت بعض الشرائح والمناطق. ولما تم تحديد موعد 17 فبراير، استبقه  بالإعلان عن اعتزامه الخروج على رأس مظاهرة لإسقاط الحكومة في ذلك اليوم، ثم تراجع، وربما سيخرج بـ (طلعات) أخرى".

قصارى القول، أن الموعد القريب سيكون اختبارا لمدى نُـضج الأوضاع لتغيير كبير في ليبيا يجعلها الرقم الثالث، ربما، في دومينو التغييرات الزلزالية التي عصفت بأنظمة عربية، كان يُعتقد حتى الآن أنها نمور حقيقية.

رشيد خشانة- swissinfo.ch

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق