الهجرة إلى أوروبا بمراكب الموت.. تفاصيل الرحلة المرعبة بلسان من عاشها
سامية صهيوني
انطلقت الرحلة من مطار الجزائر المشروط لدخول السوريين إليه بنقطتين:
أن تملك أربعة آلاف دولار في جيبك! وأن تبرز حجزاً فندقياً مسبقاً، لكن رغبة أسامة
في الوصول إلى أوروبا، حالت دون تقدير العوائق.
"توجهنا، حسب أوامر المهرب، إلى مكان يدعى وادي سيوف، وانطلقنا في رحلة
زمنها اثنا عشرة ساعة لا ترى خلالها إلا صحراء ملتهبة، وصلنا مساء إلى فندق يعج بالسوريين،
ونمنا ليلة واحدة فقط"، يقول أسامة واصفاً رحلته، ويضيف: "وفي رحلة صحراوية
جديدة إلى حدود ليبيا، زمنها ست عشرة ساعة، انطلقنا صباحاً، ووصلنا بيتاً مهجوراً أقمنا
فيه ساعة من الزمن، وغادرنا بعدها إلى ليبيا".
وهنا تبدأ رحلة العناء، فتعليمات المهرّب تقول أنّ عشر دقائق مشياً على
اﻷقدام كفيلة بقطع الحدود بين الجزائر وليبيا ولكن!
مشى أسامة ومن معه أربع ساعات في صحراء وصفها "بالظلمات بعضها فوق
بعض" إلى أن شعّ نور الفجر، وسطعت شمس الصحراء ليكتشفوا أنهم مازالوا في اﻷراضي
الجزائرية والتي لو رآهم خفر الحدود من منصات المراقبة المطلة عليهم لصب عليهم أمطرة
الرّصاص حتى لا يبقي منهم أحداً، كما يصف أسامة، ويردف: "اختبئنا في مكان منخفض
ومعنا مسلحون من ليبيا حتى تم نقلنا إلى أرض ليبية حدودية صحراوية سبعينية درجة الحرارة،
أقمنا فيها يوماً كاملاً".
في سيارة بيك آب لتفادي الحواجز اﻷمنية، تم نقل أسامة مستلقياً على جنبه
في صندوق مكشوف إلى جانب ثلاث عشرة رجل متلاصقين في وضع يمنع فيه حتى الهمس، يعلوهم
غطاء سمته الغبار والقش والرائحة الكريهة لساعتين كاملتين. توفقت السيارة، وتم اخلاؤهم
في اسطبل كان يقطنه البعير حتى وصولهم، عرفوا لاحقاً أنه يقع بين سجنين، يحشر فيهما
سوريون مهاجرون تم القبض عليهم مسبقاً!.
بعد خمس ساعات، نقلوا بنفس الطريقة السّابقة، مدة تجاوزت الست ساعات،
إلى بناء لا كساء فيه يقطنه مؤقتاً سود أفارقة، ويملكه شاب قذافي الاتجاه تماماً كسكان
القرية.
لم يعلم أسامة أن الأفارقة هم أصحابهم الجدد في سفرهم، ليُحشروا مجدداً
عند انتصاف الشمس، جنباً إلى جنب في صندوق يتسع لعشرة أشخاص، أما في قاموس المهربين،
فيتسع لثلاثين نفراً مضى عليهم ثلاث ساعات ونصف وصولاً إلى صحراء طرابلس العاصمة أخيراً،
لكن العناء يبدأ في سيارة أخرى خصصت لنقلهم إلى طرابلس المدينة!.
يقول أسامة: "على مرمى نظرنا، سيارة أمن ليبية تقطع الطريق، وإذا
بالسائق يستدير بالسيارة بجنون، معاكساً الطريق، ليتمكن من الهرب من الدورية بنجاح".
الوجهة الجديدة لأسامة ورفاقه "زوارة"، المدينة البحرية ذائعة
السيط بعمليات التهريب غير الشرعية، بعد مرورهم بثلاث بوابات (حواجز أمنية) تابعة للأمن
الليبي، ومدينة تدعى الزاوية تم توزيعهم فيها على ثلاث سيارات أجرة نبههم سائقوها إلى
خطر وقوعهم بيد حراس بوابة أمنية تعترضهم قبل بلوغ زوارة، يطلقون على أنفسهم اسم أنصار
الشريعة (تابعون لدرع ليبيا).
رجال أطالوا شعورهم، وأرخوا ذقونهم، يتفحصون السّيارات حيث تم إيقافهم
على يمين الطريق، إنهم أنصار الشريعة، يسألون:"-من أنتم؟ -نحن سوريون،-وجهتكم؟
-زوارة، نبتغي الحصول على عمل هناك"، حسب نصيحة السائق المتعاون مع الأنصار وفق
ما تبين لأسامة لاحقاًّ".
تم اعتقال أسامة ومن معه، و نقلوا بسيارة توشكا إلى السجن بعد أن صودرت
جوازات سفرهم وأمتعتهم وأموالهم وفتشت أجهزتهم النقالة التي صودرت ايضاً، "سُجنّا
ثلاث ليال بمكان لا يليق بالبعير، يحقق معنا كل من أراد، بعضهم أظهر التعاطف، وآخرون
اتهمونا بالفرار من الجهاد". يضيف أسامة: "لم نملك في أيام الاعتقال مجهول
المصير، إلا البكاء والتضرع لله، بقلب واحد نواسي ونسلي بعضنا اﻵخر، حتى مجيء المسؤول
اﻷمني من أنصار الشريعة". طلب منهم البصم على أوراق تضمن له بعد سرقة أموالهم
المصرح عنها كضمانة، عدم التفكير بالسفر خارج ليبيا، تاركاً لهم ثلاثمائة دولاراً كمصروف
حتى ايجاد عمل مناسب في ليبيا.
ويردف أسامة: "جمعنا بغرفة خارج أسوار المعتقل وسلمنا جميع أماناتنا
وأغراضنا ووعدنا باﻹفراج عنّا في اليوم التالي".
في صبيحة اليوم المنتظر، تم إيقافهم ووجوههم متجهة صوب الحائط من أحد
اﻷشخاص، موجهاً سلاحه إليهم، إلى ان أنقذهم صوت أحد المسلحين مكرراً قوله "أبعد
الشيطان" فقام بإبعاد السلاح عنهم، مع إصراره على جلدهم، لكن قدرة الله وحدها
منعته من ذلك. يحمد الله على ذلك اسامة، ويضيف: "تم نقلنا بعدها حسب رغبتنا إلى
بيت أخت كريمة ﻷخ كريم أمضى معنا هذه المحنة، بل المنحة، ومن هناك نقلنا إلى زوارة
وقد بلغت قلوبنا حناجرنا".
أقام أسامة ورفاقه في منزل للتجمع منع فيه التكلم مدة يومين في زوارة،
نقلوا بعدها إلى شاطئ البحر متجاوزين ثلاث بوابات أخرى، وأُخبرهم المهربون أنه في حال
صادفهم ضوء مركبة عن يمينهم أو شمالهم بعد انطلاقهم، فإنه يتوجب عليهم الهرب إلى أي
جهة!
في انتظار حلول الظلام، تمضي ساعات الخوف إلى أن تم نقلهم على متن قارب
مطاطي وصلوا إليه مشياً حتى بلغت المياه أكتافهم، ثم انطلقوا به إلى زورق صيد قديم على مسافة بعيدة من الشاطئ، يتسع
لمائة شخص على الأكثر، ولكن تم حشد 364 شخصاً داخله الواحد في حضن اﻵخر!
يصف أسامة محطة رحلته الأخيرة، بقوله: "لم نقو على التحرك أو النوم،
رائحة القيء والنجاسة تنضح من ملابسنا، ملاحقين بيخوت تونسية قد تقبض علينا بأي لحظة،
وبعد مضي 18 ساعة، نصفها تائهين، بدأ البحر بإغراق المركب رويداً رويداً، ولو تأخرت
قوارب الإنقاذ من قبل بارجة أرشدتها إلينا طائرة خفر السواحل الإيطالية ساعة واحدة
فقط لغرقنا رجالاً ونساءً وأطفالاً في بحر لجّي تغشاه أمواج الموت".
أخبار
الآن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق