الثلاثاء، 22 يوليو 2014

"بوابة الجحيم" بالتفاصيل ..
محمد محروس
أماكن "الممرات الآمنة" لتجار السلاح والهجرة غير الشرعية على الحدود الغربية.. أسلحة "الناتو" أنعشت سوق "تجارة الدم".. وعمليات الهجرة تتسبب في "تشتت الجهود"

­­^^^
لفت حادث الفرافرة الإرهابى الذي وقع أمس وأسفر عن استشهاد 23 ضابطا ومجندا وإصابة 6 آخرين، إلى نقاط الرعب والموت التي حولتها العصابات إلى ممرات لتجارتها من السلاح وتهريب البشر من الأفارقة والمصريين من وإلى ليبيا، كانت "فيتو" فتحت ملف ممرات التهريب في عددها الورقى منذ 3 أسابيع لتدق ناقوس الخطر قبل أن تزيد حدة الأزمة.
ثلاث سنوات مرت بها مصر تحولت خلالها الحدود إلى مرتع للعصابات بعدما سقطت هيبة الدولة واستغلتها جماعات إرهابية ظنت أنها بالسلاح يمكنها أن تحكم بالدم والنار قبل أن تسقط بين فكي شعب أبي ظلم جماعة استغلت الدين للوصول إلى غايتها.
خريطة متشعبة رصدتها "فيتو" كشفت -عبر مصادر قبلية وأمنية- عن أخطر نقاط الرعب والموت التي حولتها العصابات إلى ممرات لتجارتها من السلاح وتهريب البشر من الأفارقة والمصريين من وإلى ليبيا.
انهيار الجيش الليبى.. بداية الأزمة
بعد انهيار نظام الرئيس الليبي العقيد معمر القذافى واستحواذ العديد من القبائل والمليشيات الليبية على مخازن الأسلحة التابعة للجيش بالإضافة إلى سيطرة العديد منها على المنافذ الحدودية على طول الشريط الواقع بين مصر وليبيا، انصب اهتمام تلك المليشيات، التي تجمعها صلة قرابة ونسب بين عدد من القبائل بمحافظة مطروح، على جمع المال ودعم الجماعات التي تتبنى فكرة التسلح والجهاد التكفيرى في الدول العربية الأخرى.
مؤخرا بدأت مصر في اتخاذ خطوات جادة لتحمل مسئولية تأمين الحدود بصورة منفردة، وهو ما يمثل صعوبة كبيرة على أجهزة الأمن والقوات المصرية في ظل غياب الأمن الليبى، وعدم قدرة الدولة الليبية على تأمين الحدود بصورة أساسية، وهو ما جعل الأمور تسير في صالح "المليشيات المسلحة" وعصابات تهريب البشر والسلاح والمخدرات.
العوينات.. بوابة الهجرة غير الشرعية
منطقة شرق العوينات، التي تتبع إداريا محافظة الوادى الجديد، تعتبر البوابة الجنوبية بجوار محافظة أسوان، واحدة من أهم معابر الهجرة غير الشرعية لأفراد من مختلف الجنسيات، وتحديدا القادمين من ليبيا وتشاد والسودان ويسلكون طريقهم عبر المنطقة وصولا إلى شواطئ البحر المتوسط للهروب إلى الدول الأوربية، هربا من جحيم العيش ببلدانهم.
تنتشر الدروب والممرات في بحر الرمال العظيم في منطقة "العوينات"، والتي تمتد من الشمال بطول ٦٥٠ كيلومترًا متجها لهضبة الجلف الكبير، بطول ١٧٥ كم وعرض ١٢٥ كم وارتفاع ٣٠٠ متر كهضبة مسطحة، ويمتد منها جبل العوينات على الحدود المصرية الليبية السودانية، ويرتفع إلى ١٨٩٨ مترًا من سطح الصحراء، مما يجعله أعلى نقطة في مصر، ويمتد ٢٩ كيلومترًا طولًا و٢٤ كيلومترًا عرضًا من كتل متعددة وطرفه الغربى في ليبيا والجنوبى في السودان والشمالى في مصر.
ويتخلل تلك المناطق دروب وممرات من الكثبان الرملية يستغلها المهربون في التخفى بعيدا عن أنظار قوات حرس الحدود بهدف تهريب الأسلحة بكافة أنواعها والمخدرات، وتسهيل عمليات الهجرة غير الشرعية للأفارقة المتجهين لإسرائيل والدول الأوربية.
أسلوب "العمل في العوينات" يتم من خلال سماسرة يقومون بنقل الأشخاص الراغبين بسيارات دفع رباعي من خلال "مدقات" وممرات في الصحراء الغربية تمتد لأكثر من ألف كيلومتر في حضن الجبل مقابل الحصول على مبالغ تتراوح ما بين 3 و5 آلاف جنيه للشخص.
يتم الاتفاق مع عصابات تهريب من بدو مطروح الذين تربطهم صلات نسب بالقبائل الليبية لتوفير الحماية لهم مقابل الحصول على نصف أجورهم والعبور بهم داخل الأراضي الليبية من جهة الشمال إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط حيث يسافرون بالمراكب إلى عدد من الدول الأوربية.
الأفارقة.. الأكثر سعيا وراء الهجرة غير الشرعية
يلجأ الأفارقة إلى الهروب من بلادهم، نظرًا للحروب الأهلية المشتعلة هنالك أو المعاناة التي يعيش فيها المواطن الأفريقي؛ بسبب تدني مستوى المعيشة، وترجع أسباب التسلل إلى أن بعض الدول الأفريقية تحدد سن التجنيد من 15 إلى 45 عامًا سواء للرجل أو المرأة مثلما يحدث في إريتريا، التي يلجأ مواطنوها إلى الهرب منها رفضًا لقضاء معظم حياتهم كمجندين، كما أن الذي يرفض أداءه يحكم عليه بالإعدام، ويساعدهم على الهرب من البلاد قبائل الرشايدة السودانية مقابل مبلغ مالي يتراوح من 5 آلاف إلى 15 ألف جنيه لمرورهم من الحدود فقط، كما أن بعض القبائل تقتلهم وتستغل جثامينهم في تجارة الأعضاء.
بحيرة ناصر.. أول خطوة في "رحلة الهروب"
يسلك معظم الهاربين طريق نهر النيل أو بحيرة ناصر، أو الدخول عن طريق الدروب الموجودة على حدود الدولة وتسلمهم «الرشايدة» إلى أبناء بعض القبائل ليستكملوا رحلتهم داخل البلاد، إما عن طريق الصحراء الشرقية للهجرة إلى إسرائيل أو عن طريق الصحراء الغربية للهجرة لشواطئ البحر المتوسط عن طريق وسطاء من البدو والعرب الذين يستكملون بهم الرحلات في قلب الصحراء الغربية.
سماسرة المحافظات.. التنسيق واختيار "الزبون الهارب"
يتم التنسيق مع هؤلاء الوسطاء من خلال عدد من السماسرة بعدد من المحافظات والذين تكون مهمتهم انتقاء راغبى الهجرة خارج البلاد حيث يتم الاتفاق معهم على المبالغ المطلوبة على حسب نوع الرحلة، فلكل رحلة على حسب مشقتها سعر مختلف، فرحلة البحر رسومها مختلفة عن العبور البرى وعندما يتم الاتفاق بين السمسار وراغبى السفر يطلب الأول توقيع إيصالات أمانة باسم أحد أقارب "المسافر"، حتى لا تتم الوشاية به تحت أي ضغط، تبدأ رحلة تسلل الحدود بمجرد عبور الحدود السودانية حيث يتم تجهيز سيارات الدفع.
"منطقة جبل كامل"
"محمود. د" من أبناء مدينة "الفرافرة" أكد أن منطقة "جبل كامل" يمر من خلالها العشرات من المتسللين شهريا، الذين يدخلون عن طريق الحدود لسرقة الذهب والمعادن والأحجار ذات القيمة الاقتصادية، وأغلب هؤلاء يدخلون إلى منطقة نيزك جبل كامل وهى أحد المناطق التي تقع بالصحراء الغربية، وتقع على بعد 2 كم شمال الحدود مع السودان، وهي عبارة عن فوهة ناتجة عن ارتطام نيزك منذ 5000 سنة، وتحتوي "الفوهات" على رواسب معدنية ذات قيمة اقتصادية عالية تدخل في صناعة الأحجار الكريمة كالزجاج الليبي، الذي يوجد في الجنوب الغربي من الحدود "المصرية - الليبية"، والذي استغل منذ أقدم العصور في صناعة المجوهرات كونه مادة خضراء زبرجدية اللون، واستخدمه قدماء المصريين في تشكيل الأدوات الحجرية، وفصوص الأحجار الكريمة، وكذلك زجاج "المولدفيت الأخضر الزبرجدي"، كما أن المنطقة تحتوي على رواسب معدنية مثل رواسب النيكل والنحاس.
ووفقا لتقارير رسمية فقد بلغت أعداد المتسللين ابتداءًا من أواخر شهر مارس الماضي حتى منتصف شهر أبريل الماضي «104 سودانيين، 89 أريتريا، 19 إثيوبيا، 12 صوماليا، سوريان».
الحدود الغربية.. بوابة تجارة السلاح
عمليات تهريب الأسلحة الثقيلة والخفيفة بكافة أنواعها تتم عن طريق المسلك الغربي وهو عبارة عن "مدقات صخرية" داخل الصحراء الغربية ممتدة على طول محافظتي الوادي الجديد ومطروح، تتوسط الكثبان الرملية وتمتد إلى داخل ليبيا ويستخدمها عرب ليبيا بالتنسيق مع تجار السلاح الذين لا يستطيعون العبور من هذه الطرق إلا بإذن عرب ليبيا، والتي اعتادوا الدخول عن طريق الصحراء الغربية والعودة عبرها، واتخذوا من هذه الطرق خطا دائما للتوصل بين أهلهم في ليبيا، فاستعملت بعد ذلك في تهريب "السلاح"، حيث يُباع السلاح المستخدم في الثورة الليبية والذي أهداه حلف الناتو للثوار الليبيين للقضاء على نظام القذافي، وفور الانتهاء من هذه الثورة بدأت قبائل ليبيا في بيع السلاح للمصريين الموجودين هناك، والذين حاولوا بدورهم إدخاله البلاد.
«مطروح» من رعي الغنم لتجارة الدم
مصدر أمني قص رحلة تهريب الأسلحة وشحنات المخدرات عبر حدود صحراء مطروح، والتي تبدأ رحلة عادة من المدن الشرقية الليبية المتاخمة للحدود المصرية، بداية من شرق مدينة بنغازى بنحو 90 كم، متجهين إلى مدينة مساعد الحدودية الليبية التي تبعد عن الحدود المصرية بنحو 7 كيلومترات فقط حيث تفتقر تلك المنطقة إلى النقاط الأمنية والتفتيش بعد انتهاء الثورة الليبية، حيث لم يَعُد هناك أي بوابات من تلك التي أقامها الثوار الليبيون في بداية الثورة.
عند الوصول إلى بوابة مساعد الحدودية، التي يوجد بها طريق واحد يخترق مدينة مساعد وصولا إلى منفذ السلوم أول نقطة مصرية عندها يسلك المهربون طريقا ترابيا بعيدا عن المنفذ، متجهين إلى الجنوب الشرقى عبر الهضاب والمرتفعات ويصاحب المهربين بتلك الدروب والممرات "دليل" يكون غالبا من البدو الأكثر دراية بتلك الطرق الوعرة، ولا تخلو تلك الطرق من بعض صغار المهربين الذين يعبرون الحدود سيرا على الأقدام حاملين بعض البضائع المهربة لعبور السلك الشائك وصولا للحدود المصرية.
صفقات أسلحة بسيدي براني والسلوم
بعد أن تصل شحنات الأسلحة إلى مدينة السلوم أو واحة سيوة، يتوجه العديد من الوسطاء الذين يسهلون عملية التواصل بين البائع والمشترى، وكثيرًا ما تعقد هذه الصفقات في المدن الغربية من المحافظة لا سيما مدينتي سيدي براني والسلوم، وذلك لقربهما من منبع جلب الأسلحة.
ويقوم الوسيط بالتعرف على نوع السلاح المطلوب، للوقوف على مدى توافره أو كيفية جلبه من الأراضي الليبية، وعند التأكد من توافر نوعية السلاح المطلوب، يتم عرض السلاح المطلوب على المشترى ويقوم بتجربتة في مدى 5 كيلومترات، وإذا أراد المشترى الحصول على خزنة إضافية فهذا متاح مقابل دفع 200 جنيه تقريبًا، وذلك في حالة الشراء الشخصي لقطعة من السلاح.
"خطوط تهريب الأسلحة للصعيد"
وتوجد ثلاثة مواقع لإعادة بيع وشراء الأسلحة القادمة من ليبيا، بالتحديد في جنوب مناطق براني والنجيلة والمثاني، والتجار القادمون للشراء بأسعار جديدة، هم نوعان النوع الأول من تجار الصعيد الذين يقبلون على شراء قطع السلاح الصغيرة والذخيرة، وتجار الأسلحة الثقيلة والذين يتوافدون لشراء الألغام والصواريخ المضادة للطائرات والمدافع، ويتوجه تجار الصعيد والعريش بالشحنة، من الحدود المصرية الغربية، عبر طريق واحد داخل الصحراء بعيدًا عن الطرق الأسفلتية السلوم - مطروح، ومطروح - الإسكندرية، حيث يتم تكثيف الأكمنة الأمنية، وبعد أن تصل إلى مدينة العلمين من دروب الظهير الصحراوي، تدور السيارات المحملة بالسلاح من نقطة معروفة للمهربين يطلقون عليها اسم "خشم العيش"، في بداية طريق وادي النطرون العلمين، على بعد نحو 20 كيلومترا شرق مطار العلمين، لتمضي عبر دروب السيارات التابعة شركات البترول العاملة بالصحراء الغربية، من هناك إلى طريق الواحات عند النقطة المواجهة "لوادي الحيتان" الذي يفصل بين النيل والصحراء الغربية.
الأمن العام: 30 يونيو الأعلى في عمليات ضبط السلاح
وبحسب إحصائية الأمن العام فإن أكثر السنوات الثلاث في عمليات ضبط الأسلحة كانت بعد ثورة 30 يونيو حيث تم ضبط 26 ألف قطعة سلاح، وكان أقلها عام 2012، و17 ألف قطعة عام 2011 بعد ثورة يناير مباشرة، كما سجلت الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2014 ضبط 6500 قطعة سلاح ويعد معدلا كبيرا في عمليات الضبط في هذه الأشهر الثلاثة.
وكانت هناك أكبر نسبة لضبط المدافع والتي بلغت 6 آلاف مدفع و4 آلاف رشاش، وحسب إحصائية الأمن العام فإن أكثر المحافظات في تجارة الأسلحة وضبطها هي مطروح والإسكندرية والبحيرة والقليوبية في الوجه البحري، أما محافظات الصعيد فكان أعلى المعدلات بمحافظات قنا وأسيوط وسوهاج والمنيا.
أهالي سيناء أكدوا أن الأسلحة باتت في متناول الجميع داخل محافظتهم بعد الثورة في مصر وليبيا، مشيرين إلى انخفاض أسعارها حيث إن البندقية الكلاشينكوف الروسي تباع بـ 12 ألف جنيه، و"إم 16" سعرها 25 ألف جنيه، والبندقية الفال 15 ألف جنيه، وبالنسبة للصواريخ، المضاد للطيران 750 بـ70 ألف جنيه، والمضاد للطيران 500 بـ50 ألف جنيه، وقاذفة المدرعات آر بي جي 20 ألف جنيه، وسعر قذيفتها ألف جنيه، والقنبلة اليدوية بـ 100 جنيه، ومسدس جلوك 17 بـ 20 ألف جنيه، والقنبلة المسيلة للدموع 100 جنيه.
"الفرافرة والواحات البحرية بديلا لمطروح"
بعدما اتخذت مصر على عاتقها -منفردة- مسئولية التصدى لكافة أشكال عمليات التهريب بالمنطقة الشمالية بالصحراء الغربية وإحكام الرقابة على منفذ السلوم والمنطقة الحدودية بمحافظة مطروح، وخصوصا الدروب الصحراوية التي توجد غرب مدينة سيوة وبالتحديد بالقرب من قرية أبو شروف، والتي تواجه الحدود الليبية بجانب واحة الجغبوب، اتجهت أنظار المهربين إلى استغلال المنطقة الجنوبية في الصحراء الغربية ذات المساحات الشاسعة والكثبان الرملية، وذلك لاستغلال الدروب الجبلية الصخرية القديمة لاستخدمها لتهريب شحنات الأسلحة الثقيلة والمواد المخدرة.
عصابات التهريب استغلت منطقة الكثبان الرملية وبحر الرمال الأعظم على الحدود الليبية، مستغلة عدم إحكام الأجهزة الأمنية على تلك الأماكن نظرا لطبيعتها الجغرافية، بالإضافة إلى أنها تمثل أكثر من 44% من مساحة مصر مما يصعب غلقها أمام المهربين.

فيتو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق