السبت، 21 مايو 2011

الروائي الليبي هشام مطر: تحقيق العدالة بمحاكمة القذافي واعوانه رغبة اعمق في نفوس الليبيين من حب الانتقام


يقول الكاتب الروائي الليبي هشام مطر في مقال نشرته صحيفة "ذي تايمز" اليوم الخميس انه مع تخطيط العالم الآن لاعتقال العقيد معمر القذافي، يستطيع الليبيون تصور حياة لا يكون العنف والاكاذيب فيها من الامور المجدية. ويضيف مطر ان تحقيق العدالة بمحاكمة القذافي واعوانه يشبع رغبة في نفوس الليبيين تفوق الرغبة في الانتقام. 

كان هشام مطر في التاسعة من العمر في العام 1979 عندما ارغمت عائلته على مغادرة ليبيا بعد ان اتهم والده بانه منشق على نظام القذافي. واختطف والده في 1990 في القاهرة ولم ير منذ ذلك الحين. ونشر  مطر روايتين بالاجليزية هما "في بلاد الرجال" و"تشريح اختفاء". وهنا نص مقاله:

"لزمن طويل كانت تداعب الليبيين خيالات بشأن ما قد يفعلونه اذا ما استطاعو الامساك بالعقيد معمر القذافي. الامنية التي سمعتها اكثر من غيرها بينما كنت اكبر كانت وضعه في قفص في ساحة الشهداء التي غير اسمها الى الساحة الخضراء وكانت مسرحاً لتنفيذ عمليا اعدام ليبيين عديدين اختلفوا مع حكمه الكتاتوري. بهذه الطريقة، حسب الامنية، سيتمكن كل من المارة من البصق على "القائد". ثم، بعد ان يتعبوا من البصق عليه، يقومون بشنقه من رقبته - كما فعل هو باعدامه طلاباً جامعيين لم يعبروا عن حماسة مناسبة لحكمه - ويتركون جثته الى ان تتعفن، تماماً كما فعل باولئك الطلاب.

ان اعلان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية انه سيسعى الى استصدار مذكرات لاعتقال ثلاثة من اعضاء النظام الدكتاتوري الليبي، بمن في ذلك العقيد القذافي، لا يقوي من عزيمة الثورة الليبية وحسب، وانما يوفر ايضاً لشعب هذا البلد الفتي فرصة فريدة لرؤية تحقيق العدالة. ومن بين الوسائل الشريرة التي يستطيع بها دكتاتور قمعي متمترس في السلطة منذ مدة طويلة التأثي على شعبه اضعاف التزامهم بالقانون وتوجيههم نحو الاعتقاد خطأً بان الانتقام هو العدالة.

في العقود الأربعة الماضية علمت الحياة الليبيين أن الجرائم تكافأ، وأن العنف والكذب مجديان. وقد ألهم ذلك مشاعر من اللامبالاة والسخرية، خاصة في ما يتعلق بالمساءلة. بالنسبة الى الليبيين، (النبي) داوود ينتصر في الكتب فقط، أما في الحياة الواقعية فان جالوت يفوز في كل مرة.

أعلنت ليبيا استقلالها عشية عيد الميلاد عام 1951. وفي التاريخ القصير نسبيا للدولة، كانت المساءلة بعيدة المنال مثل حلم يصعب تذكره. بعد الحرب العالمية الثانية، حين حرص المنتصرون على محاسبة المهزومين، لم يحاكم جنرالات موسوليني على حملاتهم الاستعمارية التي أدت لمقتل نصف الشعب الليبي تقريبا. وفي السنوات الطويلة التي قمع فيها القذافي شعبه، برز جو من الفوضى حيث كان يمكن للنخبة الليبية فعل كل ما يحلو لها: من ضرب خادم إلى القتل إلى سرقة مصنع احد الناس أو منزله. كان على الليبيين تحمل ذلك، وفي الوقت نفسه مراقبة العديد من الدول المحترمة تعامل كبير معذبيها باحترام.

حين وصل توني بلير إلى طرابلس عام 2004، لم يجد القائد بانتظاره على المدرج. وقصد القذافي ذلك كإهانة للبريطانيين. وبدت صورة توني بلير مسرعا إلى باب الخيمة حيث كان العقيد ينتظر مذلة بالتأكيد. وما ان أن تم بث الخبر حتى اتصل شقيقي ليقول: "اليوم، فقدنا كل شيء".

تصرفات بلير والمجتمع الدولي ساعدت في خلق حقيقة أكثر ظلاما بالنسبة الى ليبيا. وجعلت الشرعية الدولية الديكتاتورية أكثر قدرة على قمع منتقديها بذريعة انهم كانوا "ارهابيين"، وقد زادت في عمر الحياة السياسية للقذافي. كان مخيفا بالنسبة الى الليبيين أن يشهدوا إلى أي حد كانت تهديدات القذافي ورشاويه تنجح في التلاعب بالرأي الدولي. راقبوا في كثير من الأحيان كيف كانت الولايات المتحدة تقدم بين الحين والآخر مواطنا ليبيا أو اثنين ليتم "استجوابهم" من جانب رجال القذافي. فجأة، بدت فكرة التغيير السياسي أكثر بعدا واستحالة مما كانت عليه من قبل.

ان للتاريخ عواقب عميقة الاثر في النفسية الليبية. العيش في دولة لا تتحمل فيها النخبة أي مسؤولية عن تصرفاتها، وحيث تكذب القيادة بلا خجل وبلا مساءلة، وحيث يسرق البعض ويعيشون بسعادة إلى الأبد، هو نوع من الجنون اليومي الذي يعزل الفرد ويؤدي إلى اكتئابه. إنه سبب أساسي، في رأيي، في أن الغالبية الساحقة من الشعب الليبي حتى شباط (فبراير) 2011، خاصة الشباب، كانت تنام بعمق بعد الظهر وبدت في حالة استثنائية من الإحباط والسلبية بشأن المستقبل. وفي النهاية، كان هذا هو الجيل الذي برز لاستعادة السيطرة على البلاد. أحد أسماء الثورة هو "ثورة سروال الجينز المنخفض"، في إشارة إلى الموضة التي يتبعها عدد من الشباب.

من المعاكس لهذا الواقع أن المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي لويس مورينو اوكامبو، المحامي الذي لعب دورا حاسما في جلب حكام الأرجنتين العسكريين السابقين إلى العدالة، وقف أمام العالم هذا الأسبوع واعلن أنه يسعى الى استصدار مذكرات اعتقال بحق ثلاثة من أقوى الرجال في ليبيا، رجال كانوا حتى الآن فوق القانون. هؤلاء هم معمر القذافي ونجله سيف الإسلام، والرجل الذي كان حتى الآن محبوب الغرب، رئيس الاستخبارات الليبية عبدالله السنوسي، وهو صهر الديكتاتور وواحد من أكثر ادوات الفتك بالليبيين واضطهادهم، الذي وصفه أوكامبو بأنه "الجلاد".

هذا بعيد عن اليأس الذي عبر عنه شقيقي في أعقاب زيارة بلير المذلة عام 2004. بل إن هذا يشكل بالنسبة الى العديد من الليبيين عودة إلى التعقل.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، التي تواصل فيها العنف في ليبيا، تركزت المناقشات بشأن إيجاد طريقة للتقدم على خيارين أحلاهما مر: الأول قتل القذافي، والثاني التفاوض معه. يمثل إعلان محكمة الجنايات الدولية خيارا ثالثا أفضل من سابقيه، لأنه يمنح الليبيين فرصة مهمة لتحقيق العدالة ويبعدهم عن خيالات الانتقام. الانتقام لا يبني شيئا، أما العدالة فهي قيمة تربوية، تعلم المجتمع معنى المساءلة، ومعنى السببية والمسؤولية. ليبيا تستحق أن ترى مجرميها يحاكمون بعدل وحزم.

المصدر: القدس العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق