السبت، 21 مايو 2011

الخط الأمامي للديمقراطية

راديك سيكورسكي : لقد سافرت في الاسبوع الفائت الى بنغازي من اجل الالتقاء بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي وهي زيارة تم تنسيقها مع الممثلة السامية للاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون وحلفاء الناتو.

لقد كنت أول وزير خارجية غربي يسافر الى ليبيا منذ بدء الأزمة. إن ما رأيته هناك ذكرني ببلدي قبل 20 سنة وذلك بعد اول انتخابات حرة في بولندا علما ان تلك الانتخابات بالاضافة الى سقوط جدار برلين بعد ذلك بستة اشهر تقريبا أصبحا يرمزان لنهاية الحرب الباردة. 

إن الناس الذين يكونون في مرحلة انتقالية بعد الحكم الاستبدادي – سلمية في بولندا في 1989 ودموية في ليبيا اليوم – يحتارون في كيفية اتخاذ القرارات التي سوف تقرر مصيرهم لعقود. كيف يمكن التعامل مع اسوأ المخطئين والشرطة الأمنية من العهد السابق مع ارشيفهم المضر والمغري في الوقت نفسه ؟ هل يجب حظر الحزب الحاكم السابق ؟ كيف يمكن تأمين سيطرة مدنية وديمقراطية على الجيش والشرطة ؟ ما هو الدور الذي يجب ان يلعبه الدين في الشؤون العامة ؟ * هل يجب ان يؤسس الدستور لنظام رئاسي أو برلماني؟

لقد قامت البلدان الشيوعية السابقة بتبني خياراتها قبل 20 عاما ولكن كانت الخيارات التي تم اتخاذها في بولندا والمجر وتشيكسلوفاكيا وفي دول البلطيق وفي الاتحاد السوفييتي وفي اسيا الوسطى وفي المانيا الشرقية مختلفة تماما – سواء للأفضل او للأسوأ- . ان هناك نتائج لقاعدة معلومات حيوية من الخبرة واليوم فإن بامكان الاصلاحيين العرب ان يتعلموا من نجاحاتنا ويتفادوا اخطاءنا.

نحن في وسط اوروبا كنا نعرف البؤس الذي تجلبه الشيوعية وكنا نعرف اننا نريد استبدال الشيوعية بنظام مبني على اساس قيم السوق الديمقراطية الأوروبية العصرية . إن بناء الهياكل الديمقراطية يحتاج للوقت والانضباط والألم والصبر ولكن في نهاية المطاف فإن مصيره النجاح . سوف تتولى بولندا في يوليو رئاسة الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى ، اي اننا تمكنا بفضل جهودنا من ان نكون مسؤولين عن قيادة الشؤون الأوروبية للأشهر الستة المقبلة.

لقد تعلمت بولندا بعد تجارب صعبة ان طلب التغيير وتحدي القمع هما أقل صعوبة بدرجة كبيرة مقارنة بصياغة برنامج واضح ومنطقي لمستقبل أفضل . لا تنجح جميع المطالبات الشعبية بالحرية حيث يمكن لقوى الرجعية استغلال حالة الارتباك من اجل التحرك . ان سقوط شاه ايران كانت له نتائج وخيمة على ذلك البلد أما روسيا البيضاء فلقد تمكنت من تحقيق استقلالها سنة 1991 لكن منذ سنة 1994 تبنى الرئيس الكسندر لوكاشنكو بشكل مخجل الرموز والاساليب الشيوعية من اجل التمسك بالسلطة. ان هذا يعني ان هناك عملا لم تقم أوروبا بتسويته لغاية الآن هنا.

أما اليوم وفي طول شمال افريقيا وعرضها فهناك ملايين الناس الذين يطالبون بان يتم سماع صوتهم فيما يتعلق بقدرهم . ان كل بلد يتطلع للتغيير والتقدم للامام . لقد اعلن الملك في المغرب اصلاحات دستورية بما في ذلك ضمانات للمشاركة الشعبية في عملية اتخاذ القرار على المستوى الوطني وقضاء مستقل وسلطات اقليمية جديدة. ان هذا الاصلاح المعتدل والشامل يمكن ان يشكل انموذجا للاخرين . ان الاصلاحات في العالم العربي تتلقى دعم هائل من قطر والتي شكلت مثالا على القيادة القوية وخاصة فيما يتعلق بالشأن الليبي ولكن ايضا من خلال القناة الاخبارية الجزيرة والتي أصبحت قوة حقيقية للتغيير في المنطقة.

ان ليبيا تشهد صراعا مميتا بين شعب يصر على التغيير وبين نظام يائس وطماع مصمم على التمسك بالسلطة بعد 40 عاما من سوء الحكم الشديد. لقد قام مجلس الأمن التابع للامم المتحدة وبدعم من الجامعة العربية بتفويض استخدام جميع الوسائل الممكنة من اجل حماية الليبيين من قسوة قادتهم. لقد قام حلفاؤنا من الناتو بشن عمليات عسكرية مناسبة تستهدف حرمان العقيد نظام معمر القذافي من الوسائل اللازمة لمهاجمة الاهداف المدنية. لقد قامت الحكومات حول العالم بتجميد الاصول غير الشرعية والمخبأة في الخارج من قبل النظام – وهي اموال يجب ان يتم استخدامها في مساعدة المعارضة على بناء مجمتع جديد.

لقد ذهبت الى بنغازي من اجل تقييم نوايا ومصداقية المجلس الوطني الانتقالي والمعارضة الليبية . لقد احضرنا موارد طبية للمركز الطبي في بنغازي حيث تتم هناك معالجة جرحى من مصراتة وغيرها من الأماكن.

لقد جلس حول الطاولة حلفاء غير متجانسين : بعضهم كانوا مسؤولين بارزين في نظام القذافي واخرون امضوا سنوات طويلة في السجن وهم محكومون بالاعدام . ولكنهم متفقون على ان بلدهم تستحق بداية جديدة . لقد تم تذكيري بالطاولة المستديرة في بولندا سنة 1989 عندما جلست حركة التضامن مع الحكام الشيوعيين من اجل التفاوض على نهاية النظام. لقد تكلمت بصراحة مع رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل ونائب الرئيس ووزير دفاع المجلس الوطني الانتقالي وهو سجين سياسي سابق . لقد كانوا يشعرون بالامتنان على الدور الذي لعبه المجتمع الدولي ، لكنهم وصفوا بعبارات مؤثرة الخسارة الكبيرة في الأرواح التي كبدها القذافي لشعبه.

لقد اخبرتهم اننا نعتبر المجلس الوطني الانتقالي على انهم المحاورون السياسيون الشرعيون الجدد في ليبيا واننا على استعداد لدعمهم ، وفي المقابل نتوقع ان يعمل المجلس الوطني الانتقالي من اجل تحقيق افضل المعايير فيما يتعلق بالحكومة الديمقراطية التي تتمتع بالشفافية. يجب عليهم ان يدركوا انهم بحاجة لكل لخطة – ان اللحظات الثورية هي لحظات يجب ان يتم اغتنامها . سوف تساعد بولندا عن طريق تدريب مسؤولي المجلس الوطني الانتقالي.

إن رسالتي للقادة الأوروبيين لاحقا لتلك الزيارة هي من شقين .أولا ، ان المجلس الوطني الانتقالي الليبي هو افضل رهان بالنسبة لنا فيما يتعلق بمستقبل ليبيا . ان قادة المجلس يتعاونون ويبذلون الجهود من أجل تحقيق اصلاح حقيقي بشكل لم يكن بالامكان تصوره قبل اشهر قليلة. ان هؤلاء يستحقون دعما نشطا من العالم .

ثانيا ، بينما تمتلك أوروبا الكثير لتعرضه على جيرانها في شمال افريقيا فيما يتعلق بالدعم المالي والمشورة والتدريب ، فإن المنطقة تحتاج لأن تقرر الطريق الذي سوف تسلكه فيما يتعلق بالحرية والنجاح. دعونا نتعامل مع هذه المهمة بروح التضامن الأوروبي ، لكن ايضا ببعض التواضع . ان البلدان الشيوعية السابقة في اوروبا بامكانها ان تقدم مساهمة خاصة في هذه المسيرة الانتقالية عبر شمال افريقيا فقبل كل شيء نحن ندرك ان الاصلاح المستدام يتطلب تولي المسؤولية عن طريق حشد طاقات شعب الدولة المعنية ، وليس الاعتماد على النوايا الطيبة للمساعدة الخارجية والتي عادة ما تفتقد التركيز.

بولندا جاهزة لأن تتولى القيادة لوحدها وكرئيسة للاتحاد الاوروبي فعلى سبيل المثال فلقد زار الرئيس السابق ليخ فاليسا تونس مؤخرا من اجل تقديم المشورة وذلك كجزء من برنامج بولندي لمساعدة تونس على صياغة اصلاحات دستورية وقوانين انتخابية قوية.

ان الناس في شمال أفريقيا يعرفون الأشياء التي لا يريدونها ولا يقبلونها . لكنهم يحاولون جاهدين تحديد ما هي الاشياء التي يريدونها وكيف يمكن تحقيقها وكما رأيت في بنغازي ، فإن هناك فرصة جيدة ان القادة الصاعدين في ليبيا سوف يكونون شركاء جيدين وواقعيين لسياسات جيدة وواقعية.
 *وزير خارجية بولندا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق