الثلاثاء، 5 أبريل 2011

ليبيا: معركة للديمقراطية أم حرب أهلية؟

ديفيد كيركباتريك (ترجمة: سناء عبدالله): تردد سؤال بشأن الانتفاضة الليبية منذ اللحظة التي انشق فيها قائد إحدي الدبابات للالتحاق بأبناء عمومته المحتجين في شوارع بنغازي مفاده: هل إن معركة ليبيا هي صراع بين دكتاتور دموي ضد معارضة ديمقراطية، أم هي حرب أهلية ذات طبيعة قبلية صرفة؟

من الممكن أن يحدد الجواب عن هذا السؤال مسار كل من الانتفاضة الليبية ونتائج التدخل الغربي في البلاد. وفق سلسلة الأحداث المتعاقبة التي يفضلها الغرب، فإن الضربات الجوية تساعد المتمردين علي التوحد مع أهالي المنطقة الغربية حول طرابلس، ممن لا زالوا غير متحمسين، حتي الآن، وذلك تحت راية ثورة ديمقراطية في جوهرها قادرة علي الإطاحة بالعقيد معمر القذافي.

بيد أن القذافي، توقع عكس ذلك: لقد توقع للثورة أن تكون حربا قبلية لمنطقة شرق ليبيا ضد غربها والتي ستنتهي إما بانتصاره أو بفوضي حرب طويلة الأمد.

إلي ذلك، قال بول سوليفان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون المتخصص بالشأن الليبي: "إنها مسألة في غاية الصعوبة إذ يكاد يكون من المستحيل الإجابة عنها. قد تتمخض الحرب عن مفاجأة كبري عندما يرحل القذافي ونكتشف حينها أية جهة نحن نتعامل معها بحق".

لا يوفر لنا سلوك حكومة المتمردين التي ولدت حديثا في بنغازي سوي القليل من المعلومات حول طبيعة هؤلاء المتمردين. يتألف مجلس حكمهم من مهنيين ذوي توجهات علمانية، من محامين وأكاديميين ورجال أعمال، يتحدثون عن الديمقراطية، والشفافية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون. غير أن التزامهم بهذه المبادئ يتم اختبارها حاليا من خلال طريقة تصرفهم إزاء إمكانية وجود جواسيس تابعين للقذافي بين صفوفهم، فإما أن يتعاملوا معهم وفق قانون القبائل الوحشي، أو وفق مسار قضائي أكثر التزاما.

شأنها شأن حكومة القذافي، تسود الصلات العائلية بين القائمين علي العمليات في مجلس المتمردين. وكما هو حال المسؤولين عن أجهزة الإعلام الحكومية في ليبيا، لا يشعر المتمردون باي التزام حيال قول الحقيقة في صياغة خطابهم الدعائي، مدعين تحقيق انتصارات غير حقيقية في معارك القتال، مؤكدين بأنهم لازالوا يقاتلون في مدينة رئيسية بعد أن كانت قد سقطت منذ أيام بأيادي قوات القذافي، ويروجون لمزاعم مبالغ بها إلي حد كبير بشأن تصرفاته الوحشية.پ

ويشير المتشككون في التزام المتمردين بالديمقراطية إلي تاريخ ليبيا القصير والدموي. لم يكن اعتبار ليبيا دولة موحدة متاحا لغاية الثورة التي قادها العقيد القذافي عام 1969، حيث كانت مجزأة تحت حكم الملك إلي ثلاث مقاطعات منفصلة، يضم كل جزء عددا كبيرا من القبائل الرحل والرعاة شبه الرحل. وكان مصدر العدالة الرئيسي لهذه المجموعات يعتمد علي القتل القبلي الثأري والعنف.

علي الرغم من بذل العقيد القذافي جهود مضنية للملمة المقاطعات ودمجها في دولة واحدة، لكنه لم يفعل ما يذكر لتهدئة ثقافة العنف، ومن بينها إصدار الأوامر إلي لجانه الثورية لإطلاق الرصاص علي "الكلاب الضالة" عن الثورة وتنظيم عمليات إعدام علنية لخصومه السياسيين في ساحات المدن أو حتي في قاعات ملاعب المدارس.

وكما يقول المؤرخون، كثيرا ما سعي العقيد القذافي إلي استغلال ثقافة العنف لدي العديد من القبائل في البلاد، بما في ذلك تزويده لقبائل الصحراء بالسلاح لمحاربة القبائل الأخري عبر الحدود في تشاد، أو كما حدث مؤخرا، تسليح قبائل الساحل الأوسط لمحاربة المتمردين في الشرق.

تطوع الكثير من المتظاهرين في أحياء العاصمة التي شهدت مسيرات احتجاج كبري ضد العقيد القذافي بالتحدث، شريطة عدم الكشف عن أسمائهم، قائلين بأن مسيراتهم كانت سلمية لسبب رئيسي يكمن في عدم قدرتهم الحصول علي السلاح بالسرعة الكافية. حتي أن أحد الزعماء الدينيين المرتبط بالحركة الصوفية، وهي طائفة مسلمة تعرف تقليديا بأنها مسالمة تشبه علي نحو ما طائفة الكويكرز المسيحية، لمح إلي أن قبيلته افتقرت إلي السلاح اللازم للقتال.

تقف هذه الطبيعة في تناقض حاد مع جيران ليبيا في كل من تونس ومصر. ففي مصر، علي نحو خاص، تملّكت قادة الثورة الشباب مُثل مناهضة العنف إلي الحد الذي دفع باثنين من المحتجين الشباب إلي القول، وسط معركة تراشق في الحجارة ضد غوغاء مؤيدين للنظام، بأنهم خسروا المعركة بكل بساطة لأنهم لجأوا إلي العنف.

لم يفعل العقيد القذافي أكثر من إخفاء العداء المتأصل بين القبائل، في وقت بقيت فيه المنطقة الشرقية من بنغازي مرتعا لمعارضة العقيد لسبب رئيسي يكمن في أن تلك القبائل كانت قد حظيت برعاية خاصة من الملك السابق أدريس الأول، الذي أطاح به العقيد القذافي، فيما دعم القذافي قبائل الساحلين الأوسط والغربي.

عندما وقعت الانتفاضة، كان العديد من أبرز المنشقين عن النظام، بما في ذلك الجنرال عبد الفتاح يونس، قائد المتمردين ووزير سابق للداخلية، ينتمون إلي قبائل من شرق البلاد. بيدّ أن تركة مثل هذه العداءات القبلية في ليبيا ربما كانت قد تلاشت، حيث يرجع جانبا من الفضل في ذلك إلي التغييرات الهائلة التي اضطلع بها العقيد القذافي، وهو محدث علي طريقته الفقهية الخاصة. مع مجئ القذافي للسلطة، تماما قبل مرحلة الطفرة النفطية، استغل العقيد ثروة ليبيا الجديدة في بناء المدارس والمستشفيات وتحقيق المكاسب الأخري لليبيين الذين عانوا من فقر مدقع والذين عاشوا مرحلة قريبة من حياة البدو الرحل. وهكذا، تحولت ليبيا، علي نحو تدريجي، إلي مجتمع حضري توزع نحو 85 بالمائة منه حول مراكز المدن الرئيسية، سيما طرابلس وبنغازي. تقطن حاليا العديد من القبائل الشرقية في طرابلس الغرب، فيما تسكن عشرات الألوف من القبائل الغربية، ورفلة وترهونة، التي تشكل الجزء الأساسي من الدعم الذي يتلقاه القذافي، في بنغازي حيث قاموا مؤخرا بمظاهرة علنية ناشدوا خلالها أبناء عمومتهم الغربيين للالتحاق بالتمرد.

وفوق كل ذلك، وبعد أن حاول لوقت طويل منع وقوع أي تدخل خارجي، قام القذافي لفترة وجيزة بمنع تعليم اللغة الإنكليزية، ولازال يصر علي تركيز المناهج الدراسية علي تدريس كتابه الأخضر غريب الأطوار، في وقت أدرك فيه القذافي بأن الازدهار يعتمد، جزئيا، علي استيعاب الدروس من خارج البلاد.

من الممكن أن نطلق علي نتيجة ما تمخضت عنه هذه الاجراءات بـ (جيل سيف)، حيث تمثل ظهور مجموعة صاعدة من الليبيين الذين يتحدثون الانكليزية بطلاقة ممن أكملوا دراستهم خارج البلاد علي غرار نجله الذي يتحدث اللغة الانكليزية، سيف الاسلام القذافي، الذي أصبح البطل المعلن الذي يطالب بنظام أكثر انفتاحا وديمقراطية. (رغم أن سيف الإسلام بدا مصمما علي سحق المتمردين شأنه شأن أبيه).

يقول المسؤولون الليبيون إن 12 ألف ليبي يتلقون منحا دراسية خارج البلاد سنويا، وأن 12 ألف ليبي آخر يدرسون علي نفقتهم الخاصة. إلي ذلك، يري جورج جوف، الباحث في جامعة كامبردج المتخصص بالدراسات الليبية والسياسات القبلية في البلاد، أنه علي الرغم من أن هذه الأعداد قد تبدو صغيرة لبلد يبلغ تعداد سكانه نحو 5،6 مليون نسمة، إلا أن هؤلاء لا يمثلون سوي طليعة نخبة متأثرة بالحضارة الغربية، عاشت علي أموال النفط الليبي، مما يضفي علي المجتمع قدرا من التطور تفتقر إليه بلدان قبلية أخري مثل الصومال واليمن.

يضيف جوف قائلا "بالنسبة لشخص متطور، من الصعوبة بمكان التأقلم مع نظام القذافي. يبدو نظام القذافي للعديد من الليبيين نظاما وحشيا، غير مألوف، ومنتهكا للأعراف. كما أن واحدا من خصائص النظام يتمثل باحتقاره الكامل لهم، وعليه فأنك تنظر إلي الشعب برمته وتدرك بأنهم يمتلكون السلطة لكنك لا تمنحهم الاحترام الذي يستحقونه".

سيتوقف مصير هذا التمرد جزئيا علي معرفة إن كان بوسعه أن يحقق تغييرا علي قدرته علي تجاوز خلفيته القبلية، بدءا بنجاحه في امتحان كسب دعم جديد من الغرب.

في الليالي التي أعقبت سيطرة المتمردين علي مدينة بنغازي، انتفض أهالي المدن الكبري في غرب البلاد ضد العقيد القذافي، ليس فقط في طرابلس بل في مصراتا والزاوية وزوارة أيضا.

وبعد أسابيع من العمليات الانتقامية والعمل الدعائي، لا تبدو الضربات الجوية لقوات التحالف قد منحت الجرأة لأي من المعارضين للخروج إلي الشوارع ثانية. في هذه الأثناء، تردد صدي أصوات الضربات الجوية، الليلة الماضية، عبر أنحاء العاصمة، فيما وضعت قوات التحالف رهانا آخر علي أن ما أشعل الانتفاضة كان نبضا ديمقراطيا بحق.

صحيفة نيويورك تايمز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق