الجمعة، 27 مايو 2011

«غلوبال ويتنس» العالمية تكشف استثمارات وأسماء البنوك التي أودعت فيها أموال النظام الليبي

من بينها مصارف «غولدمان ساكس» و«إتش إس بي سي» و«سوسيتيه جنرال»



الشرق الأوسط: كشفت وثائق سربت إلى مؤسسة «غلوبال ويتنس» العالمية أن كلا من مصرف «غولدمان ساكس» ومصرف «إتش إس بي سي» من بين البنوك الغربية الرئيسية التي استخدمها نظام العقيد معمر القذافي لإيداع حساباته واستثماراته.
وأشارت الوثائق إلى أن مصرف «إتش إس بي سي» لديه 10 حسابات ليبية بها 292.69 مليون دولار، ولدى مصرف «غولدمان ساكس» ثلاثة حسابات تابعة للنظام الليبي بها مبالغ قيمتها 43 مليون دولار. وكشفت الوثيقة أن الجزء الأكبر من أموال المؤسسة الليبية للاستثمار، التي تدير فوائض النفط الليبية، وهي صندوق سيادي، مودعة في بنوك شرق أوسطية.
وقدرت هذه المبالغ المودعة في البنوك الشرق أوسطية، بما في ذلك البنك المركزي الليبي والمؤسسة العربية المصرفية والبنك التجاري العربي البريطاني، بنحو 19 مليار دولار. وأشارت إلى أن 4 مليارات دولارات من أموال المؤسسة الليبية للاستثمار تستثمرها بنوك غربية في أدوات استثمار وأسهم شركات خاصة وصناديق تحوط. ومن هذه البنوك مصرف «سوسيتيه جنرال» الفرنسي، الذي يستثمر مليار دولار، ومصرف «جي بي مورغان» الأميركي الذي يستثمر 171 مليون دولار. وتملك المؤسسة الليبية للاستثمار أسهما بمليارات الدولارات في شركات عالمية كبرى، من بينها شركات «جنرال إلكتريك» الأميركية، وشركة «بريتش بتروليوم» البريطانية، وشركة «فيفيندي» وشركة «دويتشه تيلكوم» الألمانية. ويذكر أن بعض أبرز المصارف ومؤسسات الاستثمار في العالم سارع للدخول في نشاطات تجارية مع حكومة معمر القذافي داخل ليبيا، بعدما رفعت الولايات المتحدة عنها وصف الدولة الراعية للإرهاب قبل خمسة أعوام، وذلك بحسب ما جاء في وثيقة مالية داخلية حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست».
وحصل مصرفا «إتش إس بي سي» و«غولدمان ساكس» وغيرها من المصارف البارزة على مئات الملايين في صورة ودائع نقدية، وباعت صناديق تحوط وشركات استثمار خاصة، من بينها مجموعة «كارليل» ومقرها واشنطن، منتجات مالية معقدة تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار. واشترى صندوق الثورة السيادية الليبي أذون خزانة أميركية تصل قيمتها لأكثر من مليار دولار، مما أعطى فرصة لليبيا كي تضمن دينا أميركيا.
وبحلول العام الماضي، سجل الصندوق الليبي نحو 56 مليار دولار في صورة أصول بمختلف أنحاء العالم، بحسب ما تظهر وثيقة داخلية.
وتقدم الوثيقة، التي أعدتها شركة استشارات الإدارة «كيه بي إم جي» لصالح المؤسسة الليبية للاستثمار ومقرها طرابلس، أكبر قدر من التفاصيل حتى الآن حول استثمار ليبيا لعوائد نفطها خلال الأعوام التي تلت رفعها من القائمة السوداء الدولية عام 2006 حتى إعادة فرض العقوبات في أعقاب إجراءات قمعية اتخذت ضد متظاهرين في وقت سابق من العام الحالي.
ويظهر التقرير أنه بعد أشهر من السماح لحكومة القذافي بعمل صفقات تجارية دولية، غازلت مؤسسات مالية بارزة مسؤولي القذافي كي يتسنى لهم الوصول إلى مستودع جديد ضخم لرأس المال - أكثر من 40 مليار دولار في ذلك الوقت.
وقد كان التدافع على ليبيا بتشجيع من مسؤولين أميركيين، كانوا يريدون مكافأة القذافي لأنه تعهد بالالتزام بالقانون الدولي ونبذ الإرهاب وتعويض أقارب ضحايا قضية لوكربي.
وقال مسؤول أميركي بارز، رفض ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث حول هذا الموضوع: «العقوبات قوية بسبب قدرتنا على استخدام النظام المالي الأميركي. والإتاحة الفورية للاستثمارات الغربية والأميركية عقب رفع العقوبات هي بمثابة الجزرة»، وأضاف: «الجزرة هي التي تجبر مهربي المخدرات وداعمي الإرهاب على تغيير سلوكهم ووقف ممارسة نشاط غير شرعي حال بينهم وبين الولايات المتحدة».
ولكن الإقبال المفاجئ على القذافي أصبح عنصر خجل بمجرد أن استخدمت حكومته - المعروفة بوحشيتها في قمع المعارضة - القوة الغاشمة في محاولة لإخماد ثورة مدنية في فبراير (شباط). ومنذ ذلك الحين، نجد أن القوات الحكومية والثوار في مأزق، بينما تقوم طائرات الناتو بغارات جوية تستهدف موالين لنظام القذافي.
وقال كورينا غيلفيلان، رئيس المكتب الأميركي لمؤسسة «غلوبال ويتنس»، وهي مؤسسة غير ربحية، وأول من حصل على الوثيقة: «كان مفاجئا عدد المصارف الكبرى التي كانت مستعدة للدخول في نشاط تجاري مع نظام القذافي، على ضوء المخاوف الواضحة بشأن الفساد والوحشية داخل ليبيا».
تمكنت صحيفة «واشنطن بوست» من التأكد بصورة مستقلة من أن الوثيقة صادرة عن مكتب «كيه بي إم جي» داخل لندن، الذي عمل مستشارا لمساعدة هيئة الاستثمار على تعقب أصولها بشكل أفضل في 2009 و2010. ورفض المتحدث باسم «كيه بي إم جي» غيفين هولغيت التعليق على ذلك.
ولم يتسن الوصول إلى مسؤولين داخل المؤسسة الليبية للاستثمار للحصول منهم على تعليق. ورفض مسؤولون لدى «غولدمان ساكس» و«إتش إس بي سي» ومجموعة «كارليل» التعليق على ذلك.
وداخل الولايات المتحدة، قام مسؤولون بوزارة الخزانة بتجميد أموال ليبية تصل لنحو 37 مليار دولار. وقال مسؤول حكومي أميركي إن معظم الأصول التي وصفت في تقرير «كيه بي جي إم» جُمدت، سواء داخل الولايات المتحدة أم في الخارج. وقال مسؤولون وزارة الخزانة إن الجزء الأكبر من أموال ليبية تصل قيمته لـ29 مليار دولار، حددت خلال عملية مسح أولية من جانب محققين أميركيين وجدت في بنك واحد. ولا يورد «كيه بي إم جي» معلومات مفصلة تحدد هوية المؤسسة، التي رفض مسؤولون ذكر اسمها. وداخل بريطانيا، التي تفرض عقوبات هي الأخرى، استقال رئيس كلية الاقتصاد بلندن بعد أن أصبح معروفا أنه كان مستشارا غير رسمي للحكومة الليبية، وأن الكلية قبلت تبرعات من مؤسسة الاستثمار. وفي إيطاليا، أثارت حيازات الصندوق الاستثماري في «يوني كريدت»، المصرف البارز بالدولة، وشركات أخرى جدلا بشأن القيام بعمل مع القذافي. وقد كان الدخول في نشاط مع المؤسسة الليبية للاستثمار يتضمن قدرا من الخطورة، لأن عمليات المؤسسة كانت غامضة. وكان غياب الشفافية سببا في جعل المؤسسة الليبية عرضة للفساد - وهي المزاعم التي ظلت تلاحقها منذ البداية. ويقول إدوين ترومان، المسؤول السابق بوزارة الخزانة في إدارة كلينتون والزميل البارز بمعهد بيترسون للاقتصادات الدولية، إنه راجع الصندوق الليبي وأعطاه «صفرا» في تصنيف الشفافية بسبب عدم وجود تقارير كافية عن حيازاته وأنشطته. وكان من المفترض أن تتاح تفاصيل عن حيازات الصندوق من المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية، وقال ترومان: «عندما تذهب إلى الموقع الإلكتروني، وتنقر على ليبيا لن تعرف شيئا، ولذا لا يمكنني إعطاؤهم درجة».
وبعد دراسة الوثيقة التي قدمتها صحيفة «واشنطن بوست»، أشار إلى أن نحو ثلث الاستثمارات في «كيانات تابعة» وهنا «توجد احتمالية وجود سلوكيات بها مشكلات بصورة كثيرة».
وأضاف ترومان: «كانت المؤسسة الليبية للاستثمار تتمتع على الأقل بإدارة جيدة بالقدر الكافي قبل عام لتقدم هذا العرض، ولكنهم لم يخبروا مواطنيهم أو مواطنينا بالكثير عما كانوا يقومون به».
وقد نشأت المؤسسة الليبية للاستثمار لمساعدة البلاد على الاستفادة من الثروة التي تدرها عوائد النفط. وكانت تعرف باسمها العربي «أم الصناديق»، وكان يديرها مديرون قيل إنهم مستقلون عن القذافي. ولكن كان الصندوق مرتبطا بدرجة كبيرة بابن القذافي، سيف الإسلام.
وقد حصل سيف الإسلام القذافي على دكتوراه من كلية الاقتصاد بلندن، وصور نفسه كإصلاحي يحاول أن يدفع ليبيا في اتجاه جديد. وعمل على اختيار قيادة مؤسسة الاستثمار، وكان يجتمع بصورة منتظمة مع ممولين من الولايات المتحدة وأوروبا في بحث عن استثمارات جديدة. وبعد بدء الإجراءات القمعية، أصبح سيف الإسلام القذافي أكثر مناصر لوالده يظهر علنا، كما دعا المواطنين إلى قتال الثوار.
ويظهر تقرير «كيه بي إم جي»، المؤرخ بتاريخ 30 يونيو (حزيران)، مجموعة واسعة من الاستثمارات بمختلف أنحاء العالم، مع تركيز على الغرب. وفي الربع الأول من عام 2010، كان لدى الصندوق 315 مليون دولار نقدا في حسابات لدى «إتش إس بي سي» والمؤسسة العربية المصرفية و«غولدمان ساكس» ومصرف ليبيا المركزي ومؤسسات أخرى.
وكان الصندوق يمتلك أسهما بقيمة 6 ملياران دولار، بما فيها أسهم لـ«جنرال إلكتريك» و«إيه تي آند تي» و«سيتي غروب» و«تليفونكا». وكانت أكبر حيازاته من الأسهم في إيطاليا، حيث امتلكت المؤسسة الاستثمارية حصة أسهم تصل قيمتها لنحو 600 مليون دولار في «يوني كريدت»، وهو مصرف مقره إيطاليا ولديه تعاملات بمختلف أنحاء أوروبا.
ويظهر التقرير أن ربع المليارات الستة الليبية، كانت في صورة حيازات أسهم داخل شركات إيطالية، وكانت 15 في المائة في شركات أميركية. ولكن معظم السندات التي بلغت قيمتها 3.2 مليار دولار كانت في صورة سندات أميركية (بنسبة 65 في المائة)، وكانت من بينها سندات خزانة.
وقال المستشار لوزير مالية الثوار علي الترهوني إنه يجب إتاحة هذه الاستثمارات أمام الثوار، على الرغم من أنهم لا يتوقعون حدوث ذلك، وأضاف المسؤول، شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث: «نعتقد أن هذه أصول للشعب الليبي وأنها ملكنا. ونحن في حاجة ملحة للمال. وهذه أموال الشعب الليبي، ولديهم الحق فيها».
المصدر: جريدة الشرق الاوسط ـ الجمعـة 24 جمـادى الثانى 1432 هـ 27 مايو 2011 العدد 11868

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق